أعمدة الرأيثقاقةعـــاجل

الجنات المزعومة طريق له أول وليس له آخر..

لم تكن مساهمة المخرج الافريقي ذا الأصول النيجيرية “ألفي نزي” في الفيلم “غرانما”  كمخرج شريك في عملية إخراجه رفقة المخرج الإيطالي “دانيلي غاغليانوني” ، بل تعدت المسافة أن تكون مجرد شراكة فنية إلى حقيقة إنسانية تحكي واقع معاش لقصة واقعية تتحدث عن ماسي الهجرة عبر البحر المتوسط، وتستنسخ من خلال مشاهدها الدرامية توثيقا لوجع سكن فؤاد “زوجة عمه”، التي لازلت تنتظر خبر ولدها الذي مضى على اختفاءه ما يقارب “الثلاثة عقود” من الزمن حيث يقول ألفي : “انه من 1994 ليس لدينا أية أخبار عن ابن عمي الذي كبرت معه، وأنا واثق من أن حياته قد انتهت في البحر المتوسط، ولا تزال أمه تنتظره وتعاني كثيرا” .

تدني المستوى المعيشي في معظم الدول الإفريقية وتوتر العلاقات السياسية وانعدام الاستقرار واللامان وما يترتب عنه من ضريبة الحروب الأهلية التي يأكل قويها ضعيفها، كانت دوافع في مقدمة ذهنية “الإنسان الحراق”  لتشجيعه على الهجرة غير الشرعية في انتعال قوارب الموت نحو الجنات المزعومة، “فردوس” تخفي جحيمها في سراب زرقتها المبطنة، داخل وحشية أمواجها المتزاحمة لينتهي بهم المئال إلى جثث منتفخة متحللة هذا إذا أبقت حيتان هذه الأمواج على طرف منها .

الفرحة العارمة التي ترصدها كاميرات هواتف بعض “الحراقة” وهم يطئون جنة الغربة مكبرين باسم الحرية، لم تكن فرحة مشروطة في كل رحلات المهاجرين، فغالبا ما تنتهي الأفراح الى أقراح وأصوات الاحتفالات التي تملأ كاميرا الهواتف إلى أجواء تسكب أمل مواعيدها الكاذبة خرائط من الدموع على تجاعيد الألم و الفقد في ترهات القوارب ، هذا الذي يعيشه المجتمع الجزائري في يومياته وهو يفتقد في كل فرصة عددا من خيرة الشباب البطال في مختلف الأعمار والمستويات العلمية والفكرية والثقافية وأكثرها أدمغة بمثابة ثورة صناعية هجرت كرها لا طوعا لأسباب عدة ومتنوعة أخرها البطالة المستفحلة في أرجاء الجمهورية .

 وكما تعرف الجنات الأوروبية تطورات على مستوياتها الاقتصادية يشهد نمط  الهجرة غير شرعية تطورا أكثر امتداد بعد أن كان مقتصرا في فئة الذكور تغيرت ملامح مؤشراته إلي فئة النساء والأطفال سواء، للبحث عن حياة كريمة تضمن لهم حقوقهم بعد جحيم المعيشة الذي لا يجد رادعا في ظل غياب التسيير الحكيم  وتغييب لكفاءات من شانها أن تقدم مشروعا اقتصاديا بديلا يواكب عصرنه الدول المتقدمة دول القانون والمؤسسات في رفع التحدي و توفير السكن والشغل والتأمين الصحي كمستلزمات ضرورية وأساسية من اجل التعايش ورسم خطة واضحة الملامح نحو دولة اقتصادية قوية .

التحديات التي تفرضها الطبيعة ويرسمها العالم في محاربة هذه الظاهرة المتفشية التي أسهمت في القضاء على الثورة الشبابية متى تشفع التدابير للحد من جورها الذي شكل حلقة مفرغة بين الدول الطاردة والمستقبلة وما بينهما نوح الثكالة .. 

بقلم: أحمد بوشيخي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
كلمة جديدة لأبو عبيدة بعد 200 يوما من العدوان الصهيوني https://www.shihabpresse.dz/?p=177224
+ +