أحدث الأخبارأعمدة الرأيسياسةعـــاجل

في وصف فكرة زبيدة عسول… حرير الدولة العميقة

أبوبكر زمال / كاتب

تشاء الأقدار أو الصدف أو الحظوظ أو تكتيكات مجهولة أن يكون زوج القاضية السابقة والمحامية اليوم ورئيسة حزب حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي زبيدة عسول وأول امرأة في تاريخ القضاء الجزائري ترتقي إلى منصب مدير مركزي في وزارة العدل في سنة 1987، لتحال على التقاعد في سن مبكرة 42 سنة “بعد فضيحة تعاونية البرلمانيين التي ورد اسمها في قضية الفساد تلك”، المدافعة بحرارة وشراسة عن المظلومين والمحقورين ومن أصحاب الرأي المسجونين اليوم الذين ظلوا يخرجون في حراك رافض، منددين بـتـغـول عصابة النظام الجزائري وفسادها واستشراءها، تشاء الأقدار أن يكون زوجها ورفيق دربها محاميا خاصا لأحد الأذرع السرية والغامضة لفترة حكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة الإخوة كونيناف خلان وأصحاب السعيد بوتفيلقة المسجون اليوم، ومع نفيها القاطع أن تكون طرفا في الدفاع إلى جانب زوجها إلا أن هذا الأمر طرح العديد من الأسئلة وخلق حيرة مبهمة عن مدى تداخل وتنافض المواقف التي تعلن عليها في كل سانحة مستمرة طويلة وعريضة كلما كثفت من خرجاتها الإعلامية بمناسبة وبغيرها، عنوانها: محاربة فلول العصابة وبقاياها، بينما يمسك زوجها بأحد أخطر الملفات وأعقدها تخص كما جاء في محاضر التحقيق نهب وفساد وسرقة وإستبداد مارسها الإخوة كونيناف في ظل حكم الرئيس المخلوع بوتفيلقة.

في تاريخ سابق وفي زمن مخيف عاشت الجزائر فيه محنة الدم والقتل المروع، ارتجفت السيدة زبيدة عسول وهي تتقدم بخطوات مترددة نحو الجنرال خالد نزار عـرّاب العشرية السوداء وزير دفاع مرحلة سال الدم فيها إلى الركب، صافحته وقالت له بصوت مرتجف أيضا: “لقد أنقذتمونا من الهاوية والدمار والفتنة”، كان ذلك بمناسبة لقاء جمع فيه الجنرال نزار أقطاب التيار الديمقراطي العلماني باركوا صما بكما وعميا ما أنتهجه العسكر وما قرروه بدون صوت معارض أو مخالف أو متحفظ حين أوقفوا المسار الانتخابي المريب الذي فازت فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقد كال الجنرال خالد نزار لعسول في مذكراته المدح تارة وذمها على فسادها تارة أخرى، سيظهر النزوع والجذب نحو القبعة العسكرية حيث ستنضم إلى حملة الجنرال لغديري.

اشتغلت زبيدة عسول سنوات طويلة قاضية في محاكم عرفت بالمحاكم الخاصة وبالضبط في المدية والبرواقية، تلك المحاكم التي أسالت الحبر وكانت نقطة سوداء في تاريخ العدالة الجزائرية حيث حكم على الكثيرين من منطلق الشبهة والشك والوشاية، هناك فصلت في أخطر القضايا الإرهابية، لم يكن لهذه الأخيرة سوى اسم واحد هو القتل والتقتيل في وضح النهار وعز الليل، في ذلك الوقت سيطر الخوف على ثنايا الشوارع وفي كل مكان، ووضع كل شخص مهما كانت مرتبته أو وظيفته على لائحة الإرهاب، يتعقب كل خطوة عفوية أو حذرة أو محصنة أو مدججة بالحراس، كانت اللائحة شاملة تضم كل طبقات المجتمع من أبسط مواطن ينهض لجلب قوت يومه وهو لا يعرف هل سيعود إلى البيت أم لا، إلى ذلك الجندي المكشوف ظهره وهو يحرس الأرجاء وما حواليه وما وراء الزوايا، إلى الصحفي اليقظ لكل نهمة أو همسة تمر أمامه، إلى المحامي وهو يحمل رزم القضايا بين يديه يلج قاعات المحاكم وهو يترقب اللحظات بين مطرقة القاضي وسندان الإرهابيين، إلى المواطنين العزل وقد توزعوا في تخوم الفضاء المفتوح على كل شيء واضعين ما تبقى من حياتهم رهن قنبلة أو سيف أو ساطور أو رصاصة.. في هذا الجو قلنا لم تكن عسول بمعزل عن الخطر والنار كانت قاضية في محاكم حشدت العشرات من الإرهابيين في دهاليز السجون المظلمة وحكمت بما رأته الأنسب لهؤلاء الذين أصيبوا بالجنون، لهؤلاء الذين تدربوا على قطف الرؤوس وبقر البطون، سمعت العجيب والغريب من أفواههم كأنهم جاؤوا من كوكب آخر، لم يكن أمامها بشرا عاديين لذا غلفت شخصيتها بالحياد الصلب البارد المتجرد كي تستوعب ما تسمعه وما يتم التلفظ به في قاعات المحاكم.

خرجت من قاعات المحاكم وفي رصيدها خزان من المعلومات والوقائع والأحداث التي قرأتها بعمق وحفرت في مساماتها، وتجربة كبيرة ومتشعبة تركتها تعي حجم ما ضرب البلاد                   وما سيخلفه من تداعيات في مستقبل قريب، وضعت خبرتها من جديد ولبست ثوب المحاماة، اختارت المرافعة والاصطفاف خلف رموز الحراك الذين قبع بعضهم في السجون وأفرج عن الآخرين، اختارت اللامعين منهم والملمعين، أصحاب الشو  showوالأضواء اللافتة، من القائد التاريخي الراحل لخضر بورقعة إلى المناضل كريم طابو، إلى رشيد نكاز الضاج بالمواقف الساخرة والمضحكة والخرجات التي لم يعهدها المشهد السياسي.. هؤلاء هم وكلاءها ليس بصفتهم سجناء فقط بل كما يقال ويتردد زعماء خرجوا من رحم سلطة أخرى ليست بالضرورة السلطة المعروفة والتي أسقطها الشارع في حراك جاء من عمق الألم والمعاناة العميقة للمواطن الجزائري، والتي حسبهم لا يعرفها هؤلاء ولا يحسون بها، حراكيون بالكاد لا يعرفون هؤلاء إلا من خلال التلفزيون أو من خلال ظهورات بين الفينة والأخرى.. فكريم طابو حسبهم كان صنيع خفي للفريق توفيق رئيس جهاز المخابرات سابقا.. والراحل بورقعة شخصية تاريخية مختلف حولها.. ونكاز سقط من السماء وتحركه قوى خارجية غامضة.. وعسول مناضلة سياسية استحبت النضال فجأة ومزجته بالمحاماة ولم تفصل بينهما بل عمدت مع مجموعة من المناضلين وأسسوا فرقة ناجية اسمها “مواطنة” بإيعاز مثلما تتفق جميع التحاليل والبيانات من ربوب الدولة العميقة، في البداية روجوا للعديد من الأخبار عن صراعات في قمة هرم السلطة، ثم وجهوا أنظارهم صوب الشارع المحتقن وحاولوا أن يستحوذوا على براءة “الحراك” وعفويته وصدقيته، وعندما نزلوا إلى الشارع في بدايات الحراك طردوا وانهال عليهم الكثيرون بالتصفير، وكان النصيب الأكبر من وليمة الطرد الكبيرة السيدة عسول حيث ردد المتظاهرين عبارة أنها: “من أبناء الجنرال خالد نزار”.

هذا التذكير بعلاقتها بالجنرال خالد نزار الذي رفعه المتظاهرون في وجه عسول لم يكن فقط عن وعي بمدى التباس مواقفها وعلاقتها بتيار عسكري عرف في الجزائر بــ: “الإستئصاليين”، وكذا تصريحاتها التي قيل أنها من أسباب توجس الحراك منها، والتي دعت فيها لدراسة إمكانية تغيير العلم الوطني، وإلحاحها المستمر بضرورة تعيين مجلس تأسيسي يدير مرحلة انتقالية لتسير شؤون الدولة، وكان من بين ما حز في قلوب الشعب “المؤمن” دعوتها وانتقادها للمادة الدستورية التي تقول بأن الإسلام دين الدولة ورغبتها في إعادة النظر فيها.. قلنا أن حادثة الطرد المشينة هذه لم يكن فقط عن وعي بل عن قناعة تامة أنها لا تتحرك إلا وفق مخطط مدروس، وفي كثير من الأحيان مريب مثل دفاعها المستميت عن مدون دعى إلى “إبادة العرب في الجزائر”، وأكدت التقارير أنه كان “يتخابر مع جهات صهيونية”.

ليس هذا فقط ما يجعل عسول في منظار التجاذب وعدم الثبات وقدرتها على الإصطياد والاصطفاف وإيجاد مكان تحت شمس الحضور والظهور، فقد رأت في الجنرال المتقاعد والمحبوس أيضا علي لغديري المرشح المعجزة لتولي منصب الرئيس، وهو مرشح قيل أنه لم يكن بعيدا عن أعين ويد الدولة العميقة ولكنه في الحقيقة إبن مدلل للراحل قايد صالح، فانضمت إليه مع فريق هم أنفسهم الذين يشكلون فسيفساء القول والفعل في معارضة ما زالت هي نفسها منذ الأزل بنفس النظارات والأقمصة والأقنعة والمقولات والنظريات والتوقعات والحسابات، حسبتها عسول كما هو دأب من كان معها في الحملة بشكل دقيق.. لعب في رأسها المرشح العسكري فهم مدعوم من طرف أذرع مالية وأمنية وهيكلية لا غبار عن نجاحه وفوزه على الجناح الرئاسي لبوتفليقة آنذاك المدجج هو أيضا بما لا يخطر على بال من أسلحة وإمكانيات وموارد ورجال.. كانت تلك لعبة القط والفأر بين توفيق وبوتفليقة والسعيد والراحل قايد صالح.. لاعبون مكشوفون على الملأ.. ولاعبون متخفون يلقون بالكرة في ميدان واسع للصراع والضرب تحت الحزام.

لم تقدر عسول على الصمود والتصدي فاللعبة أكبر وأخطر ومعقدة ومتشعبة وستقطع فيها الرقاب، ففضلت الاستقالة بعدما استحال حلم رؤية لغديري يدخل قصر المرادية محمول على أكتاف النصر، لم يكن هناك سبب واضح لاستقالتها سوى ما قالت أنه انسحاب يأتي على خلفية مشورتها الذهبية الدقيقة بضرورة أن ينسحب المترشح لغديري من السباق لأنه طويل وعريض ومضن وسوف يهزم في نصف الطريق ولكنه لم يأخذ بالنصيحة من خبيرة ومتمرسة ومتمترسة في التكتيك والمناورات السياسية، فأغلقت الباب وراءها واستقبلت رياح مقبلة ستشهدها الساحة في الجزائر من خلال الحراك الدي اشتد وتعاظم وتصاعدت معه الاعتقالات وسجن من يعتبرون محركي الشارع.. وكما قلنا هي لم توجه ألتها الدفاعية نحو البسطاء منهم غير المعروفين، بل لهثت وراء الأشهر منهم جاذبي الضوء والسطوع والاهتمام والشهرة.

كانت في كل تصريح لها عقب الزيارات التي تقوم بها لهؤلاء، تلبس تدخلاتها بالقليل من مفاهيم قانونية ومواده المحضة، تسبغ عليها لون سياسي مطبوخ بنكهة خاصة ومعدة سلفا لبث روح الهول والخوف، فلقد أقعدت الدنيا وخاطبت بلغة محذرة داقة ناقوس الخطر حينما أخبرت بالوضع الصحي الحرج لموكليها الاثنين ثم بعد ذلك خففت من النبرة وقالت أنهما بخير وعلى خير.

لا تتنصل من هذه التوهان كونها لاعبة ماهرة تحاول أن تلف وتلتف لتقطف الهدف قبل النتيجة، والنتيجة مزيدا من رصيد سياسي وهو الأهم في عرفها وبعدها ليأتي الرصيد القانوني.

مثلها مثل الكثيرات من الشخصيات النسوية في تاريخ الجزائر المعاصر ممن ظهروا وتقلدوا مناصب ونافحوا في فترات معينة عن السلطة والنظام ورجالاته حينما كانت الثمار حلوة وعسلية ومثمرة وتؤدي إلى كراسي الدولة (كانت عضو في المجلس الوطني الانتقالي 1993 / 1997 الذي تم تأسيسه بعد توقيف المسار الانتخابي سنوات التسعينات تحت رئاسة عبد القادر بن صالح)، صمتت منهن من صمتت، وواصلت بعضهن السير في ركاب الدولة، وبدلت بعضهن درجات الولاء من الطاعة إلى العصيان، وحكمت أخريات على أنفسهن بالتنقل من جهات قوية إلى جهات أقوى، وضعفت أخريات وضعن  في متاهة السلطة أو المعارضة تقذفهن الرياح تارة من الشمال إلى الجنوب ومرات من الشمال إلى الجنوب وهكذا دواليك، وهو حال المحامية زبيدة عسول التي ظهرت فجأة خلال السنوات الماضية وزاد بريقها لمعانا وسط فوضى الغياب الحقيقي لفرص أخرى تبرز من خلالها أسماء جديدة برؤى جديدة وأنفاس متجددة.

تتعاطى المحامية زبيدة عسول مع النضال من زاوية المحاماة وتكرس مفهومها للعدالة من أجل مصالح سياسية مملة ومكرسة ومستهلكة، وقعت تارة في عرين الحرس القديم للعسكر، وتارة في يد الدولة العميقة التي كانت تحرك سواكن النضال والمعارضة، والتبس جواب السؤال المؤرق عن حقيقة أدوارها: فهل هي محامية على الطريقة الأسمى للعدالة أم مناضلة على الطريقة السياسية بكل ما تحمله هذه الأخيرة من مهلكة ومفسدة؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
هذا رد إتحاد العاصمة بعد انحياز الكاف مع المغاربةhttps://www.shihabpresse.dz/?p=177053
+ +