أحدث الأخبارأعمدة الرأيرياضةسياسةوطني

بلماضي نموذجا،فهل يتجرأ مسؤولونا على التقليد؟

في الليلة الظلماء يفتقد البدر..

ولأن جل ليالي الجزائر ظلماء، اتفق جميع الجزائريين -باستثناء هواة إثارة الانتباه القيلولي- أن الكوتش بلماضي هو البدر! ليس لأن الكرة هي أفيون الشعب الجزائري، وليس كفصل جديد من فصول سياسة الإلهاء التي تمارسها علينا السلطة بانتظام.

بعيدا عن الشعبوية وشرعية الوانتوثريزم، يعدّ جمال بلماضي ظاهرة فريدة في بلد ولدى شعب يفتقد “الرمز”! 

لأننا بلد يحكمه نظام عسكرومدني، ولأننا نعاني الغياب التام لكاريزمات عسكرية (إذا ما استثنينا عيون اللواء قايدي الجارحة التي قلبت التواصل الاجتماعي أيام الحراك)، وانعدام الكاريزمات السياسية في جو ضبابي بائس تصدّره الأرانب وأصحاب الأيدي المرتعشة، صرنا نبحث عن “القائد” في اي مجال من مجالات الحياة الاجتماعية، لعدم توفره في شخوص القطبية الثنائية الحاكمة. 

كان يمكن، في البدء، لفرحات آيت علي أن يصنع الفارق، وقد عهدناه على مدى سنوات معارضا شرسا للبوتفليقية يصيب بأسلوبه الساخر وحججه المنطقية الخصم في مقتل. لكن بمجرد اعتلائه كرسي الوزارة، صار نعجة للنظام وأسدا على الشعب، لا يفوت فرصة إلا ويذكر “العامة” بدونيتهم وجهلهم وفقرهم، فأصبح امتلاك سيارة ضربا من ضروب الخيال!

وسط العتمة والنسخ الكربونية من مسئولين باهتين، سطع نجم الناخب جمال بلماضي بصراحته اللامعهودة التي لا تستر عيوبنا، بحزمه الذي لا نراه في ولاة أمورنا، بمعادلته الصعبة “إما الكل أو اللاشيء”، بخطط طريقه التي يرسمها بنفسه وأخذه بزمام الأمور، برفضه الاملاءات الفوقية وسياسة الهاتف والتوصيات، باحترافيته وتحرير روح المبادرة، بتفكيره خارج الصندوق، باحتكامه للكفاءة كشرط أساسي في اختياراته… 

هذه المزايا وغيرها، وتلك الصفات التي تتسم بها شخصية بلماضي، لا يتحلى بربعها أولئك الذين يتصدرون المشهد ويسيطرون على المناصب في هياكل الدولة. لذا كان بلماضي الرمز، ليس فقط رمزا كرويا، بل رمز النجاح وخدمة الوطن كما ينبغي أن يكون عليه حب الوطن، بالفعل لا القول..  

لا يشفع لكبار المسؤولين بالدولة كونهم محكومين بمراسيم تعيين -تلغى بجرة قلم- كي يتحولوا إلى آلات لا تتحرك إلا بالإيعاز وتصلها المعلومات والأوامر والتعليمات عن طريق جهاز تحكم عن بعد. فيصير مرسوم التعيين طوقا على رقابهم يشل حركتهم وفكرهم، وتجد البعض منهم لا يعلم حتى كيف يدار قطاعه! 

بلماضي -الذي لا يرضى بالقليل ولا بالبريكولاج- بدوره محكوم بعقد مع المنتخب الوطني، لكن هذا العقد لا يقيده عن قول وفعل ما يراه الأصلح لتحقيق النتائج المرجوة منه. فهو يملك من الجرأة والشجاعة ما يجعله يجازف بوضع عقده على المحك إن تدخلت جهة ما في اختصاصاته أو إن لم تسر الأمور كما يفترض لها.

 وهو يدرك تماما، من الجانب الآخر، أن السلطة بحاجة إليه اكثر بكثير من حاجته هو إليها، وأنها تتشبث به باستماتة وتضحي بما دونه في سبيل استمراره، لأنه بانتصارات فريقه الكروية يمثل نقطة الضوء الوحيدة في المشهد العام الأسود. 

بلماضي هو الرجل المناسب في المكان المناسب، حاز على منصبه بالاستحقاق ويملك مشروعا وفر له كل عوامل النجاح، ولا ينتمي إلى اي معسكر يحد من حريته ويحسب عليه أنفاسه. أما غيره من المسئولين في القطاعات الأخرى، ففاشلون لأنهم وليدو الصدفة، جاؤوا ضمن فريق بلغ السلطة، لا يملكون أن يخالفوا خطه ويدينون له بالطاعة العمياء، لان الأصل في بلوغهم المناصب السامية هو الولاء ولا شيء غير الولاء. ولا يحملون سوى مشروع جمع ثروات وعقارات وتأمين مستقبل أولادهم وأحفادهم، قبل صدور قرار إنهاء المهام!  

بلماضي هو نموذج القائد الذي يترك بصمته في مجاله. وغيره من المسئولين هم نماذج الأتباع الذي لا يشغلهم سوى إرضاء السيد الذي أتى بهم.  

ما يهم في بلماضي ليس لعبة الجلد المنفوخ في حد ذاتها، ما يهم في بلماضي هو عقلية المسؤول الشجاع المخلص الذي لا يسكت على أنصاف الأشياء ولا يقبل بأنصاف النتائج، من اجل الاحتفاظ بالكرسي والامتيازات الشخصية لأطول وقت ممكن.  

ما يربطنا كجزائريين ببلماضي هو يأسنا من الفشل المستشري في كل مفاصل الدولة والفساد الأفقي والعمودي والنقص الحاد في منسوب الجرأة والإقدام والروح الوطنية لدى مسئولينا على المستويات المحلية والمركزية. 

 ما يربطنا بالكوتش هو آمالنا المعلقة في أن تمطر سماء الجزائر يوما ما مسؤولين بهامته ومثابرته وإخلاصه وإتقان عمله في كل القطاعات الوظيفية ومناحي الحياة من قمة الهرم إلى قاعدته، مسؤولين يحتفظون برسالة الاستقالة في جيوبهم اليسرى منذ يوم التنصيب… 

                                                                       بقلم: إيناس نجلاوي 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
رفع الحصانة عن 7 برلمانيينhttps://www.shihabpresse.dz/?p=176668
+ +