في إلتفاتة منه إلى الصحافة الإلكترونية، خص وزير الثقافة عزالدين ميهوبي موقع شهاب برس، بحوار، تحدث فيه عن واقع الثقافة في الوقت الراهن، مجيباً عن التساؤلاتت التي وجهت إليه بصفته وزير القطاع وكذلك أديبا وشاعرا ، حيث تمحورت حول أغلب المواضيع المثارة في الساحة الثقافية، في مقدمتها “الإعتماد على الفنان المحلي” و” ميزانية وزارة الثقافة وسبل إنفاقها”، “متحف معطوب الوناس”، ” جيرارديبارديو” ، وهي الأسئلة التي أجاب عنها بصدرٍ رحب، نفردها لقرائنا في جزئين .
الجزء الاول
معالي وزير الثقافة، شكرا لكم على استضافتنا أولا وهذه الالتفاتة ناتجاه الإعلام الالكتروني ثانيا، و إنه لمن دواعي السرور أن نكون هنا لنقل تساؤلات تخص القطاع الثقافي، متمنين أن تكون أبواب المسؤولين مفتوحه أمام الصحفيين والإعلاميين بصفة عامة والإعلام الإلكتروني بصفه خاصة .
* الحمد لله على كل حال الأبواب دائماً مفتوحة.
#شهاب_برس : بداية ممكن تقييم بسيط لفترة تواجدكم على رأس وزارة الثقافة؟
شكرا لكم على هذا الجهد… في الحقيقة أنا لا أستطيع تقييم نفسي لأن مَن يستطع التقييم والتقويم هو الوسط الثقافي، فيقف على الأداء، إلا أني أقول بأني أعمل ضمن برنامج فخامة رئيس الجمهورية، وكذلك مخطط الحكومة، لذلك يمكن القول إن الرؤية الثقافية موثقة في برنامج فخامة رئيس الجمهورية، وكذا مخطط الحكومة، لكن هناك هامش مهم، فيه التفاعل والتعامل مع المشاريع الجادة التي تقدمها مؤسسات، أو أفراد تشتغل في الحقل الثقافي، هنا أقول إن كل الأبواب كانت ولا زالت مفتوحة أمام الذين يمتلكون مشاريع حقيقية وجادة لدعم العمل الثقافي والارتقاء به.
تحققت أشياء كثيرة في فترات مختلفة من المسار الذي عرفته الدولة الجزائرية، و بلا شك هناك تفاوت بين مرحلة وأخرى، فتم بروز مجال على مجال آخر، ومع هذا في التقييم يمكنني القول أني اجتهدت واجتهدت ضمن هذه الرؤية الثقافة ووجدت دعم من أطراف كثيرة، وحاولت قدر الإمكان، وفي ظل نفس الامكانيات المالية، بالنظر إلى أن البلاد عرفت إنخفاضاً في مواردها المالية، و بطبيعة الحال ظرف كهذا يؤثر بصفة مباشرة على تمويل العمل الثقافي، بدليل أننا في 2017 و2018 تمويل المشاريع والفعاليات الثقافية الكبرى كان بنسبه 10%،مقارنة بما كان عليه الحال قبل أربع أو خمس سنوات، قد يستغرب البعض لهذا التصريح لكن هذ هو الواقع، لكن وجدنا الدعم من بعض المؤسسات من خارج وداخل القطاع الثقافي انخرطت معنا في تمويل عدد من الفعاليات الثقافية، مثل الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الذي يُعتبر سندا قويا في تحقيق المشاريع، ومع هذا نقول إننا حققنا بعض الأشياء في هذه الفترة حيث أعدنا هيكلة كثير من المهرجانات، كما قلصنا عدد الفعاليات والمشاريع السينمائية ذات الكلفة العالية.
أظن أن كل هذه الأشياء بادية للعيان، وكذلك أردنا أن تكون هناك جدوى ثقافية حقيقية من ما نقوم به، لهذا فأنا أترك المراقبين في الحقل الثقافي في تقديم رأيهم قد يكون هناك مؤيدون للجانب الإيجابي، وقد يكون بعضهم يبدون تحفظات على ما قمنا به، هذا أمر عادي في مجتمع ديموقراطي.
#شهاب_برس : هل أنتم راضون عن الميزانية التي تخصصها الدولة لقطاع الثقافة و هل تجدون صعوبات في توزيع الأغلفة المالية بين القطاعات الثقافية .؟
طبعاً أي إنسان يطمح أن تكون ميزانيته أفضل، لأنه كلما كان هناك مال كان المناخ الثقافي أفضل، و مع هذا أقول أن المال وحده لا يمكنه إنتاج عمل ثقافي جيد، فالمسألة تتعلق بأوجه صرف المبلغ المخصص و أوجه إنفاقه ،فمثلا مهرجان فني تخصص له خمس إلى ستة ملايير ،لكن تكون مبالغة في الإنفاق من إختيار الفنانين ،الفنادق الفخمة ،الهدايا الثمينة ،و هذا ليس سلوك ثقافي لأن من يأت إلى عمل ثقافي يجب أن يخرج بمنفعة ثقافية ،لهذا ارتأينا و وجهنا تعليمات بتجنب الإنفاق الزائد و إعادة هيكلة المهرجانات بتقليص عدد المشاركين و أيام المهرجان، حتى نحافظ عليه و بإنفاق أقل ،و قد وصلنا إلى مرحلة إلى أن يفهم الجميع أن الثقافة ليس من شأن الدولة وحدها، و لا المؤسسات الرسمية ،يجب أن يكون هامش من النشاط الثقافي خارج مؤسسات الدولة ،نحن ندعم كل الناشطين الثقافيين من جمعيات أو المجتمع الثقافي المدني، بتخصيص منشئات و فضاء للنشاط بشرط الإبتعاد عن الإرتجالية، و يكون في إطار منظم و مبرمج مسبقا حسب برنامج شهري، أو نصف سنوي بالإتفاق مع دار الثقافة .
فغياب البرمجة أدى إلى إنعدام الإنضباط في المجال، و إلى غياب رؤية حقيقية للعمل الثقافي في الميدان ، الدولة توفر الشروط و العديد من العوامل الثقافية المساندة و المساعدة ،الدولة توفر لك العديد من العوامل المساعدة مثل المنشأة و الفضاء الذي تنشط فيه و الإطار البشري الذي يساعد في إدارة العمل الثقافي..حتى نصل لمعادلة أساسية الدولة و المجتمع ،فالدولة توفر الشروط و المجتمع ينتج الثقافة بتنوعها و تفاعلاتها ،و نحن نشجع كثيرا شركاءنا أصحاب المشاريع الجادة لنكون سندا وداعما لهم في تنفيذها وإنجازها.
#شهاب_برس : الاعتماد على الفنان المحلي كما شاهدناه في المهرجانات الأخيرة ..هل هي سياسة ممنهجة لتشجيع المنتوج المحلي إن جاز التعبير أم خيار مفروض تحت وطأة سياسة التقشف ؟
إحساسنا بأن الفنان الجزائري يشعر بأنه مهمش في بلده و لم تعط له فرصة المشاركة في إحياء المهرجانات الثقافية والفنية داخل الوطن، جعلنا هذه السنة نعتمد عليه في إقامة المهرجانات الفنية ،فالقافلة الثقافية لهذه السنة اعتمدنا فيها على الفنان الجزائري 100℅ بمشاركة فنانين جزائريين من المهجر كانت لهم فرصة إكتشاف بلدهم و الإلتقاء بجمهورهم ،و الهدف ككل هو الإحتفاء بالفن الجزائري ،أما الفنانين الأجانب فتركنا الأمر للمؤسسات الخاصة فالباب مفتوح لها لإستقدامهم لأن هدفها تجاري ربحي بالدرجة الأولى ،
بينما وزارة الثقافة و المؤسسات التي تنطوي تحتها هدفها ثقافي اجتماعي بحت، نعمل من خلاله على ترقية الفنان الجزائري و الأغنية المحلية و الموروث الثقافي ..مثلا في السابق كانت المهرجانات الغنائية تعتمد على طبوع غنائية معينة و التي تستقطب الجمهور ،لكن
،
#شهاب_برس : كيف تردون على الزوبعة الإعلامية، التي أحدثها اختيار الممثل الفرنسي جيرارديبارديو لتقمصه دور الداي حسين في فيلم أحمد باي؟
يجب أن نأخذها من باب احترافي ،ممثل عالمي شارك في أفلام عالمية ،تجده حاضرا بأعماله السينمائية في كل أنحاء العالم ..أمريكا ،أمريكا الجنوبية أوروبا ،فرنسا..فلماذا عندما يشارك في فيلم جزائري يثار كل هذا اللغط ..هي مشاركة عادية و هي مسألة فنية احترافية بحتة ،تبقى حياته الشخصية ،فطبيعي لكل شخص حياته الخاصة به ،نحن تعاملنا مع الممثل المحترف الذي قدرت إدارة الإنتاج لهذا المشروع السينمائي أن هذا الفنان يمكنه أن يمنح دفع قوي على صعيد انتشار الفيلم عند الانتهاء منه
و للعلم هذا الفنان معروف بصداقته للجزائر و زياراته المتكررة لها ،آخرها زيارته لمدينتي تيبازة و عنابة في إطار السياحة ،كما أن هذا الفنان مثقف مطلع على الأديان قارئ للتاريخ ،قريب من الثقافة العربية ،قال لي بعظمة لسانه أنه من أكثر الناس حبا و عشقا لفن سيدة الطرب العربي أم كلثوم ،و أنه كان يحضر حفلاتها بباريس و القاهرة خلال مسيرتها الفنية، كما كلمني عن فيروز ،و تكلم عن علاقته بالدين الإسلامي و فهمه لهذا الدين ،و هو يفكر في عمل فني حول قرطبة كمدينة رمز للتسامح، كما حدثني عن ابن رشد و ابن ميمون ،هو إنسان مثقف و مطلع ،له مواقفه الثقافية و السياسية الخاصة به، تابع الحملة التي طالته لكنه قال لي أن هذه الحملة لن تنال منه، معللا ذلك بحبه لهذا البلد وهذا الشعب، كونه تعلم الفرنسية على يد جزائري، وهو قريب من الجزائريين وتعلم منهم الكثير ،فهذا البلد الكبير في قلبه، إذا تعاملنا معه يدخل في إطار فني ،مهني ،احترافي ،حتى المبلغ الذي تقاضاه يعتبر رمزي تقديرا للجزائر ،حقيقة لا أملك رقم المبلغ لكن المنتجة أخبرتني ،و هو قال لي بعظمة لسانه حتى لا يظن الناس أنني هنا من أجل المال ،بل من أجل المساهمة في فيلم تاريخي ،و اختار هذا الدور السنيمائي في تقمص شخصية حسين باي لأنه مطلع عليها ،فالفنان عندما يحدثك عن العلاقات التاريخية الفرنسية الجزائرية ،يكلمك بالتفاصيل و الأحداث بدقة متناهية تبين أنه على قدر كبير من الاطلاع على التاريخ ،لذا و للأسف البعض إنساق وراء كتابات فيسبوكية وهوجم وانتقد .. حتى من كنت أظنهم و أعتبرهم مثقفين تحدثوا عن الموضوع بإسهاب ،بل تجاوزوا حتى أدبيات القذف.
ديبارديو ليس هو الوحيد الذي شارك في فيلم جزائري بل الكثير من الفنانين الفرنسين كانت لهم أدوار مهمة في أفلام جزائرية تاريخية كالأفيون و العصى و معركة الجزائر ،لن أقف عند هذا فقط بل أضيف أن الفنان العالمي أنطوني كويني تقمص دور رمز المقاومة الليبية عمر المختار ،و تقمص حتى دور حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما أن الممثلة إليزابيت تايلور مثلت دور كليوباترا هل خرج المصريون للاحتجاج؟
،يجب أن نفهم أن المسألة ليست اجتماعية نراعي فيها ظروف معينة كالشخصية التاريخية جزائرية يجب ان يؤدي الدور فنان جزائري، المسألة ليس اجتماعية بل احترافية مهنية يجب مراعاة المخرج الذي له القدرة على تجسيد المشروع السنيمائي في عمل فني ناجح ،و الممثل القادر على تقديم الإضافة للفيلم و يكون مقبول من المشاهد، و اختيار السيناريست الذي يملك الخيال و الإبداع الفني و البناء الدرامي ،يعني الأمور في الأول و الأخير خاضعة لمنطق المهنية و الاحتراف ،لإنجاز فيلم ناجح يليق بمقام رمز من رموز المقاومة الشعبية الجزائرية بعيدا عن الشعبوية .
#شهاب_برس : رئيس الجمهورية أعطى تعليمات بإقامة متحف للفنان معطوب الوناس .. هل لك أن تحدثنا عن كواليس لقائك بعائلة الفنان و كيف جاءت الفكرة و أين وصل المشروع ؟
معطوب الوناس فنان جزائري معروف ،صاحب مواقف ،دافع عن الهوية الأمازيغية ،كان متعلقا بالجزائر وآمالها و تطلعاتها، تعرض لكثير من الصعاب في حياته ،سقط برصاص الإرهاب لينضم إلى قائمة الفنانين و المثقفين المبدعين الذين طالتهم أيادي الغدر ،طبعا في الذكرى 20 لوفاته كان لابد أن تكون هناك التفاتة ،تصادف ذلك أني كنت بالقرب من مدينة تيزي وزو اتصلت بالسيدة مليكة
أعلمتها بزيارتي ،فقالت لي سي عزالدين الأبواب مفتوحة أمامك ،ذهبت لبيت العائلة استقبلتني بحفاوة و قبلت رأس ناعلجية و غنت لي “آشويق” كترحيب منها و بعد أن تحدثنا في أمور كثيرة تجولت في مؤسسة معطوب ،و دونت كلمة في السجل الخاص، ثم صعدت لشقته الخاصة و شاهدت كل مقتنياته و أغراضه الشخصية التي لازالت العائلة محتفظة بها… بعدها اتصلت بي السيدة مليكة و استقبلتها في المكتب و أطلعتني على حلم العائلة و المنطقة ككل في إقامة متخف يحفظ الذكرى و الذاكرة،
هذا المشروع الذي يعود لسنة 2006 ،بعد أيام عادت بتصور للفكرة في مشروع من إعداد المهندس في تصور فعلي لتجسيد المشروع و الذي نظرا لأهميته تم نقله لرئاسة الجمهورية ،و بعد أسبوع جاءت موافقة فخامة رئيس الجمهورية و إعطاء أمر لوزارة الثقافة و والي ولاية تيزي وزو بمتابعة و تنفيذ المشروع ،و قد انطلقنا بالفعل في العملية التي ستتم إنشاء الله و يستلم المشروع في الذكرى الواحدة و العشرين ليكون فضاء ثقافي متحفي للمنطقة ككل للحفاظ على الذكرى.
يُتبع…
في الجزء الثاني يجيب وزير الثقافة عز الدين ميهوبي على أسئلة تخص مواضيع أخرى منها
* بيت مالك بن نبي واشكاليه جعله متحفاً
* جمال غلاب ومقاله الأخير
* رابح ظريف وسيناريو فيلم ومسلسل العلامة عبد الحميد ابن باديس
* العلاقه بينه وبين الشخصيات الثقافية البارزة
#شهاب_برس