قيل كلام كثير عن سوء استقبال الجزائريين في تونس، التي يدخلها ما يقرب من مليون ونصف جزائري للسياحة سنويا وكان لا بد من العودة إلى الجارة تونس في سبتمبر، وهو الشهر الأخير لشهور السياحة المتوهجة في البلد الشقيق.
لم أحظ في تونس منذ دخلتها بغير الترحاب والاحترام الذي أحظى به ككل مرة، التونسي سهل وسلسل ويمكن أن يصبح صديقك في غضون دقائق، قال لنا حلاق في بلدة عين دراهم الحدودية :”كلما سمعت النشيد الجزائري تعتريني رغبة شديدة في البكاء”.
في المقاهي والمحال التجارية لا تختلف المعاملة عن تلك التي أجدها ككل مرة، من روج إذن هذه الإشاعة وما غرضه من ذلك؟ إذا كان لتشجيع السياحة الجزائرية فأي سياحة نملك وأي فنادق وأي خدمات وإن وجدت بأي أسعار؟
هذه الأسئلة طرحتها على نفسي وأنا أدخل فندق “عالم الكراييب” الذي يقع في منطقة برج سدرية، الواقعة ثلاثون كليومتر جنوب تونس باتجاه الحمامات، كان اللجوء إلى الفندق الذي يقع في منطقة سكنية خيارا لا يبدو مغريًا، كنت مترددًا، ومع ذلك قلبت معطيات الواقع كل شي رأسا على عقب.
فندق 4 نجوم مقابل 17 يورو !
لكنني تفاجأت هناك أول ما وصلت للخدمات المقدمة مقابل فطور وغداء وعشاء، 17 أورو (سعر الصرف هنا حسب مستوى السوق السوداء) لا أكثر مقابل “بوفيه” في فندق من 4 نجوم يتوفر على 3 مسابح، تسبح فيه صاحبة “البيكيني” مع سيدة جزائرية بالجلباب، ورجل ملتحي مع روسية بقطعتين، الجميع هناك سواء، وهنا خطر لي أن أسأل مدير الفندق عن أشياء متعلقة بالثمن وثانيا عن حقيقة ما يقال عن طرد الجزائريين من تونس.
طلبت من موظفة الاستقبال اللطيفة والنشطة التي عرفت أن اسمها ألفة لقاء المدير، فكان ذلك أيسر من أن يوصف.
تفاجأت أنه شاب، مبتسم كل الوقت، يجيد لغة الترويج، مثقف وخفيف الظل قال لي :”هامش الربح ضئيل جدًا، ولكننا نستغل عدد الزبائن الكبير في فندقنا المتسع لتحقيق الربح، هذا السؤال يطرح دائما عن سبب أسعارنا التي تعتبر الأخفض ونحن سعداء أننا نخدم الزبائن بهذه الأسعار”.
في الفندق أغلبية الزبائن من روسيا، يغريهم السعر المميز الذي يقدمه هذا الفندق الذي يمكن اعتباره أرخس فندق 4 نجوم في تونس، لكن هناك جزائريون ومن لوحات الترقيم يظهر أنهم من الشرق ومن الوسط وأيضا من الغرب من خلال سيارات من ولاية معسكر وسيدي بلعباس.
هذا هو الفرق بيننا وبينهم
سألنا بعض الجزائريين عن رأيهم في الخدمات والاستقبال فقال عزيز وهو من مدينة مسيلة:”الأمر مدهش للغاية، تصور أن فندقا كهذا في الجزائر؟ لن يقل السعر عن 27 ألف دينار، لا أدفع عن كل ليلة سوى 3400 دينار فيها وجبات كاملة وخدمات جيدة، مؤكد أن الفنادق التونسية عرفت كيف تقنع السائح الجزائري والأهم من كل هذا الاحترام والتقدير، لم تحدث ربع مشكلة معنا، نحن هناك منذ أسبوع”.
يقول مدير الفندق وسام غردادو :”نرحب بكل الجزائريين وهم تقريبا أهم الزبائن عندنا هم تاج فوق رؤوسنا وإذا لم يكفهم الفندق، يمكننا أن نأخذهم إلى بيوتنا”.
ثم أتبع :”أريد فقد أن أقول شيئًا، عندما مرت تونس بأزمة كبيرة بسبب تراجع السياحة الأجنبية لم نجد سوى الأشقاء، لهذا لا يمكننا في أي وقت من الأوقات أن نعطي الظهر لهم، بالعكس سيبقون مبجلين مكرمين وأصحاب أولوية، دماؤنا اختلطت مع بعض”.
يقول عبد العزيز وهو صاحب وكالة سياحة في مدينة برج بوعريريج :”هذه الفنادق تعرف كيف تستقطب السائح الجزائري، كما تضمن لنا هامش ربح حتى تستغرب كيف يحصلون على الفائدة، ولكن هذا الفرق بيننا وبينهم أنهم يجيدون تقديم خدمات جيدة مقابل أسعار منخفضة، نحن لم ننجح لا في تقديم أسعار جيدة ولا خدمات، ثم يستغربون لماذا نسافر إلى تونس”.
من المستفيد من الإشاعة؟
عندما انتهى اللقاء القصير الذي جمعنا بمدير فندق “ورلد كاريبان برج سدرية” (عالم الكراييب) كانت ضحكته عريضة ولكنه لم ينس أن يقول لنا :”غفر الله لمن روج إشاعة أن التونسيين لا يستقبلون الجزائريين ستشاهدون بأعينكم” وفعلا شاهدت خلال أيام كل الاحترام والتقدير منذ دخلت غرفتي المتسعة التي اتضح أنها جناح.
زرت وسط العاصمة تونس وكان لي لقاء بكثير من التونسيين، صحيح أن الأوضاع لم تعد كالسابق وهناك حالة إحباط تعيشها البلاد إلا أن أساريرهم تنبسط بمجرد أن يعرفوا أنني جزائري، يحدثونني كما لو كانوا يعرفونني منذ مدة.
في فندق آخر وهو نزل “المرادي” بالحمامات الذي تراجعت فيه الخدمات كان الاستقبال جيدا أيضا، الراحة عنوان للإقامة، عندما تريد أن تمدد إقامتك سيعثرون لك على حل لتبقى وهذا ما حصل معي.
في قلب العاصمة تونس “باب بحر” يقف السائقون الجزائريون الذين ينقلون المسافرين إلى عنابة وقسنطينة، لا يملكون رخصة ولكنهم يسيطرون على رواق طويل، يقول السائق فارس وهو من مدينة قسنطينة :”من قال أن التونسيين يطردون الجزائريين كاذب، أنقل بين ذهاب وإياب كل شهر 300 راكب لم يحصل مشكل مع أي منهم، لا تصدقوا هذه الأخبار الزائفة”.
لم تكن في الحقيقة الإشاعة التي أطلقت عن طرد الجزائريين من الفنادق سوى كذبة لا تغتفر، ولأنه ليس كمن سمع كمن رأى، فقد كان الجزائري الذي هو كاتب هذه السطور، معززا مكرما في بلده الثاني، مثل أمس كاليوم، تتغير تونس، تتغير الجزائر، لكن العلاقات باقية للأبد ولا عاش من حاول خدمة أجندة ما لأجل الابتزاز الإشهاري.
تحقيق ميداني : محمد رفيق بوحملة لـ شهاب برس