يعكف الرئيس عبد المجيد تبون منذ توليه السلطة نهاية 2019 على احكام سيطرته على مقاليد السلطة،خاصةً بعد بروز تتعدّد مراكز القرار للعيان، على احداث تغييرات هامة في كل هياكل الدولة .
بعد أدائه لليمين الدستوري بحظور رجالات الدولة والسياسة مع غياب تام لرموز المعارضة، ظن الجميع أن الطريق سيكون معبداً امامه ، لكن وفاة حليفه القوي قائد الجيش أحمد قايد صالح بعد أسبوع من تنصيبه رئيساً للبلاد أخلط أوراقه، وجعله يعيد حساباته بالكامل.
التغييرات
في بادئ الأمر قرَّر تبون ضمان ولاء المؤسسة العسكرية وتحييدها من أي صراع محتمل بالتحالف مع القائد الجديد للجيش سعيد شنقريحة، بعد أن وجد نفسه مكشوفاً وسط مراكز القرار والعُصب التي تشكّلت في حقبة بوتفليقة وما قبلها.
قام تبون بترقية اللواء شنقريحة إلى رتبة فريق، وثبّته في منصبه كقائد أركان للجيش، بعدما كان يتقلّد المنصب بالنيابة، ثم أوغل يده داخل المؤسسة ليعيد ترتيبها حسب ما تقتضيه الظروف، إذ أبعد جل قادة النواحي العسكرية الستة، وقادة القوات البرية والبحرية والجوية.
وختم الرئيس عبد المجيد تبون تغييراته قبل أيام بتنحية الرجل القوي في المؤسسة العسكرية واليد اليمنى لقايد صالح، الأمين العام لوزارة الدفاع عبدالحميد غريس.
وأثناءعملية التصفية لتركة قايد صالح، وإحكام سيطرته على المؤسسات رفقة حليفه شنقريحة، اصطدم تبون بمدير جهاز الأمن الداخلي (أهم فرع في المخابرات) واسيني بوعزة، وهو الرجل القوي وأحد المقربين من قايد صالح الذي أتى به تخصصات آخرى لا علاقة لها بالمخابرات.
الصراع بين بوعزة الذي كان معارضاً لوصول تبون إلى قصر المرادية انتهى لصالح هذا الأخير بمساعدة الفريق شنقريحة.
وتقول صحيفة “الوطن” الناطقة بالفرنسية، إن “طريقة إزاحة بوعزة من منصبه تشبه الأفلام البوليسية، حيث تم استدعاؤه إلى اجتماع عاجل بوزارة الدفاع، ومنع حراسه الشخصيين من الدخول معه إلى الاجتماع، ليجد في القاعة قوات خاصة قامت باعتقاله وتحويله إلى المحكمة العسكرية، التي قضت بسجنه لمدة 8 سنوات، بتهمة مخالفة الأوامر العسكرية والتمرّد، كما تنتظره قضايا أخرى قيد التحقيق، أبرزها التدخل في الرئاسيات،إضافة إلى استخدامه الذباب الإلكتروني لتشويه نشطاء الحراك والسياسيين”.
وبعد ما اطمئن الرئيس للمؤسسة العسكرية، انتقل إلى الأجهزة الأخرى، حيث قام بتغييرات عدة في كل من جهاز الشرطة والدرك، كما عيَّن مستشارين أمنيين وعسكريين يقال إنهم محسوبون على جهاز المخابرات السابق الذي فكّّكه بوتفليقة رفقة قايد صالح سنة 2015.
البيانات و القلق
تقول القاعدة الشهيرة “إن كثرة بيانات التطمين تدعو إلى القلق”، وهو ما يمكن إسقاطه على حالة الرئيس تبون والمؤسسة العسكرية، إذ لا يفوّت تبون وشنقريحة أي خرجة إعلامية إلا ويتحدّثان عن العلاقات الجيدة بين الرئيس والجيش.
اذ قال الرئيس تبون في آخر حوار صحفي له قبل عشرة أيام إنه “لا توجد أي خلافات بينه وبين المؤسسة العسكرية، بل على العكس”.
كما يُصرّ شنقريحة على أن “الجيش لا يتدخّل في السياسة، ويعمل تحت الإمرة المباشرة لرئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني القائد الأعلى للقوات المسلحة عبدالمجيد تبون”.
وفي تصريح له ل”عربي بوست” قال الخبير في العلاقات المدنية العسكرية الدكتور محمد دخوش، إن “الرئاسة والجيش يعيان جيداً خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد إقليمياً ومحلياً، لاسيما بعد عودة الحراك ومحاولات اختراقه الواضحة”.
ويضيف دخوش في حديثه بأن “مؤسسة الجيش والرئاسة تأكدا أن أي صراع بينهما يمكن أن يكون في غير صالحهما وصالح الساحة السياسية في البلاد”
. ويعتقد المتحدث بأن “المؤسسة العسكرية تتجه نحو الانسحاب التدريجي الاختياري من المشهد السياسي، خشية تأثر صورتها لدى المجتمع الجزائري الذي يكنّ لها الاحترام، باعتبارها سليلة جيش التحرير الوطني”، على حد تعبيره.
ويرى دخوش أن “بناء علاقات مدنية عسكرية مثالية ومتوازنة في بيئة ديمقراطية يجب أن يقوم على خضوع القوات المسلحة للسيطرة المتوازنة بين السلطتين التنفيذية والبرلمانية، وتنظيم حالات تدخل الجيش في أوقات السلم وتحديد طابعها القانوني ودسترتها، مع اشتراك السلطتين التنفيذية والبرلمانية في التحكم بميزانية المؤسسة العسكرية والإشراف عليها، وهذا الشرط يعتبر أحد أهم مكونات الإشراف المدني على القوات المسلحة،.
وأعتقد أن الشرط الأخير سيتحقّق في ظل المؤشرات التي تبعث بها المؤسسة العسكرية، والتي مفادها سعيها نحو تحقيق الانسحاب الاختياري التدريجي من التأثير على المشهد السياسي، تفادياً لتبعات ذلك على المستويين السياسي والرمزي”.
تغييرات جذرية
وبالعودة إلى حجم التغييرات التي باشرها تبون في الأجهزة الأمنية منذ وصوله إلى السلطة، تبين أنها تغييرات يمكن وسمها بالجذرية.
ويعلّق الدكتور دخوش في حديثه مع “عربي بوست” على التغيرات الأخيرة بالقول: “فيما يتعلّق بالتغييرات على مستوى الأمانة العامة لوزارة الدفاع والمديرية العامة للأمن الوطني، في اعتقادي كانت متوقعة، وتأتي في سياق استكمال سلسلة التغييرات التي باشرتها القيادة في أعلى الهرم”.
ويكشف المتحدث ذاته أن “التغييرات منذ بدأت مسّت عدداً من قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، على غرار الدرك الوطني والقوات البحرية والقوات الجوية، وكذا مديري جهاز المخابرات الداخلية والخارجية، وكذا على مستوى المصالح الحيوية المرتبطة بقيادة الأركان، مثل التغيير الذي حصل على مستوى مسؤولي دائرة الاستعمال والتحضير للقوات المسلحة ودائرة التنظيم والإمداد ودائرة الإشارة والحرب الإلكترونية”.
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر بوهديل رضوان، فيرى أن الرئيس “تبون يمارس صلاحياته بكل حرية، بحيث يعيّن كل من يراه مناسباً لتلك المناصب التي تم إحداث تغييرات فيها”.
ويقول بوهديل في تصريح لـ”عربي بوست”، إن “التغييرات الأخيرة التي يقوم بها تبون تتماشى مع الظروف الإقليمية والتهديدات التي تعيشها البلاد”.
وفيما يخص الحديث عن أن تبون يحاول السيطرة على مفاصل الدولة وتثبيت حكمه بهذه التغييرات، أفاد بوهديل بأن “الأمر أبسط من ذلك بكثير، بحيث يمارس الرئيس صلاحياته التي يخولها له الدستور وهو يقوم بتغيرات وفق معطيات يملكها هو فقط”.
المصدر: الوكالات