تعيش الجزائر منذ ست سنوات تقريبا حالة غليان سياسي بين من يرى الخير للبلاد في استمرار السلطه ، و هنالك من يرى الخير للبلاد في التغيير ، و بين الرئيين فرق شاسع في علم السياسة و مقاربات الإصلاح السياسي كون الأولى ترى الخلاص في بقاء الرئيس و الثانية ترى الخلاص في بناء دولة المؤسسات .
لكن في الجزائر غير السالف ذكره و أن الطبقة السياسية فيها شاذة عن المقاربات السامية للإصلاح السياسي ، و المتتبع للخطاب السياسي في الجزائر يدرك أنه لا يتعدى الهجاء الشعبوي و اللغط السيكيوباتي مستنتجا إياه في نواة الإختلاف بينهم أنها تكمن في شخص الرئيس و ليس مؤسسة الرئاسة و أن الساسة و اتباعهم لا يفقهون شييأ في السياسة عدا المادة 102 من الدستور بين من يرى تفعيلها نعمة و من يرى أنها نقمة و بين ذاك و ذلك تاه مفهوم الدولة لدى الجزائريين عدا رهد زهيد يفقهها لكنه في سبات عميق . و عليه يجب على النخبة قهرا و وجوبا لتغيير هاته المفاهيم التي أبقت العامة في ركود لا متناهي في وضع مبكي و مضحك في نفس الوقت كون الغالبية تعيش سعادة الوعي بحظيظه . و الأجدر عمله لإنهاء وصاية الدغمائية في نشر الجهل تكمن في إلزامية التغيير القاعدي و ليس الهرمي لأن خلاص الدولة يتجلى بوعي شعبها متوافقة و ما تنظر له النخبة السياسية في أن السلطة ليست سوى مرآت عاكسة لشعبها ، و العمل على ترسيخ ثقافة القائد العقلاني الحكيم و القضاء على موروث الزعامة مثبتين في ذلك الواقع الغربي على غرار أمريكا و فرنسا أنهم يملكون قادة عقلانيين و ليس زعماء أسطوريين ، و أن قوة الفكر و كثافته أنجع من قوة الصوت و وهم الحماس ، و هذا العامل يساعد على تحوير الوعي السياسي من العاطفة و المشاعر إلى عقلنته بالحجة و المنطق و هذا ما يتمخض عنه انتشار الطبقة الأستقراطية التي يعتبرها العلماء انها شرايين النهضة لكل زمان و مكان و المعروف لدى الأستقراطية أنها تحبذ تبسيط السلطة و جعلها متاحة للجميع و لو بطريقة غير مباشرة من خلال ما أرسته العلوم السياسية في النظام البرلماني كونه الأقرب لبنود الدساتير التي تنص على أن الشعب مصدر السلطة المعنى النسبي لمبدأ الفصل بين السلطات من خلال محدودية السلطات الثلاث مع تكميل بعضها البعض لأن السلطة التنفيذية يتم إنتقائها من السلطة التشريعية عن طريق التصويت لصاحب الأغلبية البرلمانية حيث ينبثق عن التصويت الرئيس و الوزير الأول مع العلم أن الرئيس لا يتمتع بصلاحيات قوية عدا البروتوكولات الشكلية و باقي صلاحيات تبقى للوزير الأول شرط أن تلقى موافقة الأغلبية البرلمانية و إن كان غير ذلك فعزل منصب السلطة التنفيذية هو السبيل لتفادي خلق الهوات و الفجوات بين السلطتين ، كما ان السلطة القضائية يتم إنتقاء إطاراتها عن طريق التصويت بعيدا عن جدل التعيينات و هنا نستخلض أن النظم البرلمانية لا تحتكم لأي سلطة تقوى على شعبها ، كون البرلمان هو الآمر و الناهي في كل شيئ و ان اعضاؤه يشتركون في صفة واحدة الا و هي الكفاءة و الجدير بالايضاح أن النخبة و الأستقراطية عندما تتحرر من قيود السلطة التي تفرض عليهم إيديولوجيات لم يدرسوها و لا يعرفون عنها شيئا سوى أنها تبقيهم في المناصب ففي هاته الحالة النخبة لا تتجرد من فكرها و وعد لرعيتها فكل ما تصبح تؤمن به هو العمل على إقرار سياسيات راشدة تنفع بها البلاد و العباد معا و السعي على إبقاء السلطة في مسافة موحدة بين جميع التيارات الفكرية السياسية متفادية لعبث الصراعات الإيديولوجية هذا إن حدث لأن الطبقة الأستقراطية ترى في الأيديولوجية أنها علم الأفكار و ليس الخنوع للنزاوات و الشهوات ، و ترى أيضا أن الفكرة يجب أن تكون في خدمة الجميع عكس الدوغمائين الذين يسخرون جميع الفواعل لخدمة فكرة . ربما العمل من أجل هكذا أفكار استشرافية تتطلب عقود من الزمن لكنها قد تضمن نهضة أزلية و للتاريخ من جزائرنا الفتية لنا عبرة تبقى راسخة في أذهاننا بين ما اراده مصالي الحاج لجزائر ما بعد الوعي و بين من رأو جزائر بعد الإستقلال فثمة فرق بين عقلنة الشعور الوطني و بين تجييش الشعور فحري بنا أن نقول أن واقعنا الأليم متوارث عبر عقود من خلال التقصير في الرؤى منذ تغلب جماعة العمل المسلح في كنف الازمات و محدودية الوعي على جماعة العمل المسلح بعد تهدين اطراف الصراع و عملية نشر الوعي الى ان وصلنا لمرحلة تحجيم الدولة في شخص الرئيس و ليس في المؤسسات . فتدارك الوضع يجب استخلاصه من مطبة التاريخ التي لازلنا في تبعيتها فهكذا عمل يجب إعلاء صوت النخبة و إلا سرمدية عار الركود في انتظارنا . لعلق عبد الحق