كثر الكلام عن الشريعة الإسلامية ، ودائما ما يُثار حولها صراع وجدل ولغط وصياح وتدافع ، وروَّج لها بعض الناس، ورفضها بعض الناس ، وبدأت التهم تُرْمَى هنا وهناك ، فهذا عدوٌّ لله و لرسوله لأنه معارض للشريعة الإسلامية ، و ذاك مناصر للشريعة ، دون أن يتوقف أحد ليشرح لعامة الناس ماهية الشريعة الإسلامية ،حتى يعلم كل فردٍ على يقين إدراك وبصيرة أين موقعه منها ؛ سامح الله تعالى كل إنسان ضيَّق مفهوم الشريعة في أذهان و قلوب الناس، و إختزلها في بعض فروعها و هيئاتها و آدابها و أغفل أصولها وأهمل جوهرها وعطل مقاصدها ، حتى ظنها الناس بأنها رُعبٌ و ظلامٌ و تكفيرٌ ، فنفروا منها ؛ لأنهم لم يسمعوا ولم يروا من أطروحات الجُهال بها إلا دمار و دماء و شقاء ، وأصبحت قائمة على الجبرية في العقيدة ، والشكلية في العبادة ، و السلبية في الأخلاق ، و الجمود الفكر ، و التقليد في الفقه و النفاق في السياسة . .
ما سأقدمه من شرح لمفهوم الشريعة لن يقتصر على تعريفات و مفاهيم لغوية و إصطلاحية ، فهذا ما إعتاد عليه الناس لتقديم و عرض الشريعة على الأمة ، و لكن سأقدم نموذج متكامل و جامع بين كل ماهو نظري وتطبيقي ، لتتكون صورة في ذهن القارئ وتتركه يتقبل هذا الفهم و المفهوم بكل عقلانية بعيد عن الكِبر و التعصب و الإنغلاق .
مفهوم الشريعة :
هي وحيٌ إلهيٌ ، وهديٌ رباني ، وأخلاقٌ محمديةٌ رفيعةٌ ، وعلومٌ ، وآدابٌ ومعارفٌ وحضارةٌ وتجربةٌ بشريةٌ راقيةٌ ،إسْتَهدَتْ بالوحيين الشريفين فأقامت الفرائض والعبادات ،و إستخرجت منها تشريعاً وقانوناً و نُظُماً إدارية و إقتصادية ، وأشاعت في الأمم والشعوب معاني الربانية والرحمة وإعلاء القيم، وتوقير العلم والبحث العلمي ؛ الشريعة منهج أخلاقي رفيع يدعو إلى بناء الإنسان ، الذي يصنع العمران ويتوسع في التمدن، و في تحقيق الرخاء لأخيه الإنسان والرفاهيته ، و في إقامة المؤسسات الوقفية التى تنهض بكل إحتياجات الناس ، السياسية و التعليمية و الصحية و حتى الإجتماعية والترفيهية ؛ الشريعة الإسلامية ، هي كل الوقفيات لإصلاح السدود المائية والمساقي الزراعية والطرقات والجسور ؛ الشريعة هي العمل و الإنتاج والتصدير وتحقيق الإكتفاء و التبرع والصناعة والتعب والجهد و الإتقان و الإنفاق الراشد و الإستثمار العقلاني والتوزيع العادل للثروات وإحترام الحقوق و الحريات و الإلتزام بالواجبات ؛ الشريعة هي مؤسسات لليتامى و اللقطاء التى تتم فيها رعايتهم و كفالتهم، و هي أيضا مؤسسات للمقعدين والعميان والعجزة ، ومؤسسات خيرية وقفية لتحسين أحوال المساجين ، ومؤسسات وقفية لتزويج من لا يستطيع الزواج وتحجيج من لا يستطيع الحج ، و للإمداد الأمهات بالحليب والسكر و إحتيجات الرضيع إلى أن يبلغ ، و كل ذلك مجانا ! بل لمحض العطاء و الإحياء و الرخاء للإنسان ؛ الشريعة هي مؤسسات خيرية مجانية لعلاج الحيوانات المريضة وإطعامها ورعايتها عند عجزها إلى أن تموت ؛ الشريعة الإسلامية هي المصابيح التي تُنَارُ ليلا ويستضيء الماشى بسُرُجِها ، فلا ينقطع عنه الضوء ، فأزقته مبتهجة ملونة وجميلة وشوارعه مبلطة ، وقمامته مرفوعة من الشوارع ، محاطة بالحدائق ؛ الشريعة هي الإهتمام و الدعم و ترميم وبناء المساجد و الكناس والكُنس ، لأن الشريعة تسع المسلم و المسيحي و اليهودي ، والبوذي ، والإشتراكي ، والعِلماني ، والليبرالي ، واليساري ، و الملحد ؛ الشريعة هي إنشاء المراصد الفلكية ، و تشييد المدارس العظيمة ، و إقامة المستشفيات و الفنادق و الزوايا و الأربطة و المراكز البحثية و العلمية ؛ الشريعة هي مؤسسات دبلوماسية و عسكرية تقوم بحماية الوطن ، و تُقيم العلاقات من خارجه ؛ الشريعة الإسلامية هي تجسيد و تحقيق للإنسان الكفاية من كل وجوه الحياة ، و من ثم يتفرغ هذا الإنسان إلى كل ماهو نفسي و أخلاقي و روحي ، و يبدع ويفكر و يتأمل، ويؤلف ويخترع حتى يُقبل على الله تعالى بنفس ساكنة راضية ، لا تتعدى وتعتدي ، تحب الله وتُشيع الخير في الخلق والمخلوقات .
أقسم لكم بالله هذه هي الشريعة ، و هذا هو التطبيق الصحيح و الإمتداد المباشر للقرآن الكريم و الهدي النبوي العظيم ، بكل تعاليمه و أحكامه و تفاصيله وأبعاده ؛ يا قوم! هذا هو شرع الله و هذه هي الشريعة الح