حاورته مطولا مجلة الشروق العربي…
استقبلنا في بيته الهادئ الجميل البعيد عن ضوضاء المدينة بمنطقة أولاد بلحاج بضواحي البليدة، وكله تواضع واخلاق، انه الفنان الكبير صالح أوقروت او عاشور العاشر كما يحلو للبعض تسميته، فنان يقول انه يؤمن بالفن “المسلم” الذي تضبطه الأخلاق والقيم والدين، عمقه جميل ويصل إلى المشاهد، تحدث معنا على الكثير من جوانب حياته الفنية والعائلية.
افتقدك الجمهور في شهر رمضان !
ربما هناك مبالغة في وصف غيابي، لأن الجمهور اعتاد علي كممثل في شهر رمضان، لكن لا يوجد فراغ، بل هناك الكثير من الأعمال، والجيل الجديد والرؤية الجديدة التي لابد من التوجه اليها، فقط يجب ان نضبطها قليلا ولا نتركها تائهة.
هل ترى ان الإنتاج الدرامي تائه؟
قليلا، فلا توجد دراسة لمعرفة اين تتجه الدراما او الكوميديا او النكتة.
كيف تقيم الأعمال التي عرضت على الشاشة؟
بالمفهوم العام، هناك جهد مبذول كبير جدا، لا يمكن ان نطالب بنسبة نجاح 100 بالمائة، لأن هذه النسبة ستأتي فيما بعد.
هل عرفت الإخفاقات في بداياتك؟
لم تكن بهذا المفهوم مع رمضان، بل كانت بدايتي في فيلم كرنفال في دشرة، وأقول لك ان في العالم باسره هناك نكسات وفشل، حتى في الأفلام الكبيرة ومع الممثلين الكبار.
حدثنا اذن عن بداية مشوارك الفني: هل بدأ صدفة، أم خططت له؟
كنت أمارس بعض النشاطات الثقافية في المدارس، سكاتشات قصيرة وامثل في المسرح، اكتشفني المخرج محمد أوقاسي في مخيم صيفي كنت أقدم فيه برامج أطفال، اتصل بي وعرض علي التمثيل في فيلم كرنفال في دشرة، وكانت الانطلاقة، ومن ذلك الوقت لم أتوقف عن التمثيل ولم تتوقف العروض التي اتلقاها طيلة 26 سنة، لم أتوقع ان احقق كل هذا، لأنني في البداية طمحت في دور صغير او ان أدخل التمثيل كهواية إضافة إلى وظيفتي في الجامعة، ولم استطع التوفيق بين التمثيل والوظيفة فقررت التوقف واحتراف الفن.
من اكثر المخرجين الذين تعاملت معهم؟
على مدار 26 سنة، تعاملت مع خيرة المخرجين الجزائريين في الإذاعة وخارج الإذاعة مثل محمد أوقاسي، نور الدين تيفورة رحمه الله، خالد مريود، تريبش، بدري، دبوب يحيى، مصطفى بديع وهو مخرج كبير ومن طراز عالمي، وعملت فيلما سينمائيا بعنوان “مال وطني” من اخراج فطيمة بلحاج وهي زوجتي، إضافة الى تعاملي مع المخرج الكبير جعفر قاسم في “عاشور العاشر” و”ناس ملاح سيتي”.
يعاب على الدراما الجزائرية ضعف الكتابة والسيناريو، ما رأيك؟
بالعكس لدينا كتاب سيناريو مهمين، ربما لم يجدوا فرصة للظهور او لم يوظفهم أحد… انظروا إلى كم الروايات الموجودة لكتاب جزائريين، أيضا لدينا هواة مبدعين، يواجهنا فقط مشكل الفوضى، لا بد من تنظيم المهنة، نعيد العداد إلى الصفر ونبدأ من الأول بشكل صحيح، مثلا كتاب السيناريو اشخاص مختصون، الممثل ممثل، والمنتج منتج، والمخرج مخرج، لابد من التخصص، وكل واحد يتحمل مسؤولية عمله حتى نحصل على انتاج جيد، إضافة إلى أن العمل الجماعي مهم جدا.
صالح أوقروت قليل الظهور في السينما.. لماذا؟
العرض قليل في الأفلام السينمائية، لحد الآن مثلت في فيلم مع المخرج دبوب يحيى وفيلم آخر مع المخرجة فطيمة بلحاج.
كنت بطل مسلسل ضخم وهو القرصان قورصو الذي للأسف توقف انتاجه لأسباب مالية، حدثنا عن هذه التجربة، خاصة وانها مع مخرج عالمي؟
بالفعل، توقف مسلسل قورصو، بالنسبة لي خسارة كبيرة، خاصة واننا أكملنا 60 بالمائة من تصويره، وهو مسلسل يروي قصة أحد الإخوة ألقي به صغيرا في البحر بسبب الغيرة، وبعد فترة عرف انه من العائلة المالكة وجذوره من القصر فيقرر العودة، وتحدث له مغامرات، التمثيل كان رائعا والتقنيات باهرة مع المخرج العالمي عادل أديب، وهو مخرج مثقف، المسلسل وظف الكثير من الإمكانيات المادية، لأن التصوير في بواخر واستوديوهات كبيرة، كنا في تركيا واتصلوا بنا للعودة إلى الجزائر لأخذ قسط من الراحة، ولم نكن نعلم بتوقيف التصوير الا بعد وصولنا إلى الجزائر.
هل توقيف المسلسل مرتبط بإسقاطات سياسية؟
لا، أبدا ليس فيه سياسة مطلقا. العمل درامي فكاهي بالدرجة الأولى ولا اذكر ان السياسة يوما في الجزائر اوقفت أي عمل درامي، كرنفال في دشرة مثلا فيه انتقادات كبيرة للسياسة ولم توقفه أي جهة، الأعمال على اليوتيوب كثيرة ولها سقف كبير في انتقاد السياسة، اظن ان الجزائر هي البلد الوحيد الذي له ليس له سقف من الحرية اكثر من باقي الدول.
نحس بصدقك في التمثيل، واعتقد انك كثير الارتجال، هل تخرج عن النص؟
نعم، انا كثير الارتجال، ولدي خبرة كبيرة في ذلك، أخرج عن النص المكتوب، لكن لا اخرج عن الفكرة.
ما هي اعمالك القادمة؟
لا توجد عروض حاليا، لكنني مرتبط بجهات وانا ملتزم معها.
ما هي هذه الجهات؟
مجمع الشروق. هناك مشروع كبير سنكشف عنه لاحقا.
لماذا العمل والإنتاج موجه دائما لشهر رمضان، فلا توجد عروض في باقي أشهر السنة؟
فعلا، لقد اصبحنا نشعر كأننا “زلابية او قلب اللوز” يرد ضاحكا، لكن من الممكن ان تشاهدوني قريبا بعد رمضان في كوميديا درامية في عمل يجمعني مع زوجتي فطيمة بلحاج في الإخراج.
هل درست التمثيل؟
لم ادرسه بالمفهوم الأكاديمي، بل تكونت.
هل تفكر في تكوين فنانين؟
لم تخطر في بالي هذه الفكرة، لكنها جيدة وتحتاج إلى إمكانيات.. ربما مع خبرتي استطيع ان أتوجه إلى تكوين فنانين جدد.خلال 26 سنة من التمثيل، ما هو الدور او العمل الذي تعتبره نقطة تحول في حياتك؟
ليس بعد، انا لا أزال أقوم بخطوات.. فقط هناك تطور من فيلم كرنفال في دشرة إلى غاية عاشور العاشر مرورا بناس ملاح سيتي الذي حصد جوائز الفنك الذهبي، حققت خطوات، لم تكن مملة، لأنني ارفض ان يكون لي قالب واحد في شخصية واحدة، ومن حبي للتغيير توجهت حتى إلى الغناء.
من هو مثلك الأعلى في التمثيل؟
مثلي الأعلى قد لا يكون ممثلا ربما يكون شخصا آخر، لأن التمثيل له علاقة بالعالم الباطني، التمثيل الداخلي الذي يحرج ويذهب إلى الجوارح والتعابير، قد نأخذه من كاتب او أي شخص قرأت عنه.
أقصد كبار الممثلين.. مثلا عثمان عريوات؟
عريوات فنان كبير وبعده عن التمثيل لسنوات خسارة كبيرة، لدي معه علاقات طيبة. واعتقد ان عودته للفن مرتبطة بتوفر سيناريو جيد، فقط السيناريو الجيد قادر على إعادته للتمثيل مجددا.
هل صحيح انك الفنان الأعلى أجرا في الجزائر؟
يضحك ثم يجيب … نعم هكذا يشاع، لكن في الحقيقة علينا ان نكشف جميعنا صور العقود التجارية حتى لنعرف من يتقاضى اكثر، يقولون ذلك، لأن الفنان هو الذي يواجه، لكن في الحقيقة المنتج هو الذي يحصل على المال، لأن الفنان يعمل مرة واحدة في السنة، فعن أي أجر او مال يتحدثون؟
هل تجاوزت بعض النصوص الحدود الأخلاقية؟
ربما في طريقة الكتابة، يوجد مثلا حق أريد به باطل، هناك طرح معمول بطريقة تزرع الشكوك. اليوم كما ترون نقص الحياء كثيرا، العقلية تغيرت، لهذا لا يستبعد ان اعتزل الفن قريبا، لأنني لا استطيع ان العب أدوارا معينة خادشة للحياء.
ولكن يقال ان الفن والتمثيل ليس له حدود؟
لا، لدينا فن وله حدود يجب ان نحترمها، في العالم بأسره يجب ان يكون للفن دين، ونحن في الجزائر نعمل ونرغب في ان يكون فننا مسلما مثل الانسان، نريد ان يكون عمق الفن جميلا وليس شكله جميلا وباطنه سموما، يعتقد البعض ان الجمهور سيغمى عليه عندما يرى فنانة جميلة على الشاشة، هؤلاء مخطئون، وللأسف حاليا الفن لا يتحدث مع الانسان بل مع غريزته.
حدثنا عن عائلتك وجيرانك ومحيطك، كيف هي علاقتك بهم؟
والدي توفي سنة 1994 قبل ان يراني فنانا، كان رياضيا، قوي البنية، يمارس الرياضة وكان بطل شمال افريقيا في العدو، اما والدتي فتوفيت سنة 2005، لدي أخ أصغر يقيم في البليدة، وأخي الأكبر وافته المنية، تمنيت لو عاش والدي ليراني ممثلا، لكن حكمة الله، جيراني لدي معهم علاقات طيبة نلتقي كل يوم جمعة بعد الصلاة في مقهى بأولاد بلحاج، اما في شهر رمضان فوقتي ضيق جدا بعد الإفطار أتوجه رفقة زوجتي لصلاة التراويح بمسجد مصعب بن عمير، ونعود إلى البيت مباشرة، أنام باكرا، حتى التلفاز لا أشاهده كثيرا.
لديك نشاط على الفايسبوك؟
لا علاقة لي بالتكنولوجيا – يجيب مبتسما.
لديك إدارة أعمال؟
ليس لدي إدارة اعمال، اتلقى العروض في الهاتف، الاتفاق والعمل بدون بروتوكولات.
لست بحاجة إلى مناجير، لأنني اعمل مرة واحدة في السنة.
هل عشت أوقاتا صعبة في حياتك؟
ومن منا لم يعش حياة صعبة، لكنها كانت حلوة ولها طعم، لأن القيم كانت موجودة عكس ما نعيشه حاليا، القيم غابت وطغت مكانها المادة والمظاهر.