ما يردده المسؤولون المغاربة، وأبواق الدعاية في المملكة، وينقله بعض الجزائريين عن جهل أو بدافع الانتقام، حول تحول الجزائر إلى قاعدة متقدمة لإيران يدخل ضمن السعي لضرب الجزائر وإلحاق الضرر بها.
هذه الأكذوبة بدأ الترويج لها من طرف مسؤولين مغاربة حاولوا إقناع الأمريكيين بهذه الأطروحة ( سبق لويكيليكس نشر برقيات تتضمن ما قاله عمر هلال عندما كان أمينا عاما لوزارة الخارجية المغربية لمسؤولين أمريكيين بهذا الخصوص) وعندما ساءت العلاقات أصبحت هذه الادعاءات تسوق علنا.
الأصل في هذه التهمة الباطلة ان نظام الرباط حاول دائما أن يعتمد على دعم اللوبي الصهيوني في الكونغرس من أجل دفع واشنطن إلى تبني الموقف المغربي من قضية الصحراء الغربية، وبعد توقيع الاتفاق النووي سنة 2015، انتقلت الدبلوماسية المغربية إلى التحالف عمليا مع إسرائيل كما فعلت الدول العربية التي عارضت الاتفاق باعتباره يمنح إيران فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي ويجعلها قادرة على توفير مزيد من الموارد لدعم دورها في المنطقة، وقد اتخذت الرباط موقفا معاديا لإيران لهدفين: الأول هو تعزيز العلاقة مع دول الخليج ( خاصة السعودية والإمارات ) بغرض الحصول على مزايا اقتصادية، والثاني هو تعزيز العلاقة مع إسرائيل واللوبي الصهيوني لدفع واشنطن لتغيير موقفها من قضية الصحراء الغربية، وفي النهاية كانت النتيجة هي صفقة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء مقابل التطبيع الكامل مع إسرائيل في نهاية فترة حكم ترامب.
أثناء القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر عمد جزء من الإعلام الخليجي إلى إثارة طبيعة العلاقة بين الجزائر وإيران، وذهب متدخلون خليجيون في وسائل الإعلام إلى التركيز على هذا الموضوع إلى جانب الحديث عن دور مزعوم للجزائر في دعم أثيوبيا في خلافها مع مصر بخصوص سد النهضة، وكانت تلك إشارات إلى عمل منظم يتم فيه تبادل الأدوار من أجل إلباس الجزائر تهمة التحالف مع إيران وفتح الباب أمامها للتمدد إفريقيا تماما مثلما قال وزير خارجية إسرائيل من الرباط حتى قبل أن تعمد الجزائر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة.
لا أحد في الغرب يأخذ المزاعم المغربية بوجود دعم إيراني أو من حزب الله لجبهة البوليساريو على محمل الجد، وسبق لتقارير رسمية أمريكية أن برأت البوليساريو من تهمة الإرهاب التي حاولت الدعاية المغربية إلصاقها بها، لكن هذا لم يمنع من مواصلة الحملة وإعادة المحاولة باستمرار.
في الظرف الدولي الحالي يجري التركيز على هذه الادعاءات في ظل حالة الاستقطاب التي تتسبب فيها الحرب في أوكرانيا والمرشحة للاستمرار مستقبلا وبحدة أكبر، ويعتقد مروجو هذه الادعاءات أن الظروف مواتية ليقتنع الغرب بتصنيف الجزائر كقوة معادية أو كدولة مارقة بالمعايير الأمريكية بما يفتح الباب أمام محاصرتها وإضعافها بالعقوبات.
إلى حد الآن يبدو الموقف الرسمي الجزائري من الصراعات الدولية حريصا على التوازن وعدم السقوط في فخ الاستقطاب، لكن الأداء الإعلامي تطبعه الرداءة وفي حالات كثيرة يختار الدعاية والخطاب الشعبوي، وبعض المتدخلين في وسائل الإعلام يدعمون من حيث لا يعلمون هذه الحملات التي تستهدف عزل الجزائر وإضعافها.
إن معارضة النظام، وانتقاد السياسة الخارجية جزء من النقاش السياسي الذي يبقى مهما لبناء الدولة، لكن إدراك مصلحة الدولة، والإحاطة بالمخاطر ومواضيع الصراع الدولي تمثل شروطا أساسية لممارسة هذا النقد.
الصحفي : نجيب بلحيمر