شهاب برس- ردّ الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي على التصريحات الاتهامية التي أطلقها العاهل المغربي محمد السادس ثم وزير خارجيته ناصر بوريطة حول الصحراء الغربية، مؤكدا أن الجزائر “لو كانت لها أطماع للنفاذ نحو الأطلسي لقبلت عرض ديغول وفرانكو”.
حابي، وهو وزير وناطق سابق باسم الحكومة الجزائرية، وسفير سابق في إسبانيا والمكسيك وسياسي ناشط بكتاباته وآرائه، اعتبر “أن تصريحات بوريطة التي تحدثت عن بوادر تصعيد ورغبة في الانتقال من الصراع إلى المواجهة، ليست مجرد رأي شخصي، بل تعكس توجيهات سياسية رسمية تهدف إلى تأجيج التوترات في المنطقة”.
وأوضح في مقال نشره في جريدة “الخبر” بالعربية و”الوطن” الجزائرية بالفرنسية، أن “هذه التصريحات، التي أطلقها بوريطة أمام البرلمان المغربي، تشير إلى محاولة منظمة لتوجيه الخطاب ضد الجزائر، وإثارة أجواء تصعيدية، تعود إلى زمن الاستعمار حينما طالبت بعض الأطراف في المغرب بممرّ على المحيط الأطلسي، وهي فكرة قديمة سعت أطراف أخرى إلى إعادة طرحها في أوقات مختلفة، بطرح خيار تقاسم الصحراء الغربية مع الجزائر”.
وأضاف الدبلوماسي السابق أن “الصحراء الغربية كانت في الواقع محطّ اهتمام دول كبرى، إذ عُرضت عدة مرات على الجزائر اقتراحات من فرنسا في عهد الرئيس شارل ديغول، ومن إسبانيا في عهد الديكتاتور فرانكو للتنازل لها على الصحراء الغربية، وحتى من الولايات المتحدة التي اقترحت، حسبه، على الجزائر تقاسمها مع حليفها المغربي”.
وأكد “أن الجزائر رفضت هذه المقترحات كلها لأنها كانت تفتقر إلى الشرعية، حيث إن هذه الأرض ليست ملكًا لأية من تلك الدول لتقوم بمنحها”.
وأدرج رحابي تصريحات المسؤولين المغاربة في إطار “عقدة جغرافية تاريخية”، إذ يشعر المغرب، حسبه، “بحساسية تجاه الوزن الجغرافي للجزائر”، ويتبنى خطابًا “حربيًا” تعزّز مع التصريحات الدولية الداعمة له مثل ما صرّح به الرئيس الفرنسي ماكرون حول قضية الصحراء الغربية وعودة الرئيس الأمريكي السابق ترامب.
في “مقابل هذا الاستقواء، قال إن الجزائر تتمسك بعقيدتها السيادية القائمة على عدم الانضمام إلى تحالفات عسكرية لحماية سيادتها وقراراتها المستقلة، حتى لو كان ذلك يعني الاعتماد على قدراتها الذاتية”.
أما بشأن التسلح، فقد أوضح رحابي أن الجزائر تواصل بناء قوتها الدفاعية بشكل متزن يتناسب مع شساعة أراضيها الممتدة لأكثر من 6400 كيلومتر، ومع الأخطار المحدقة بحدودها المتعددة، في ظل وجود أكثر من عشرين دولة تشارك في عمليات عسكرية على حدودها مع ليبيا ومنطقة الساحل والمغرب.
وأشار إلى أن الجزائر تتبع نهجًا مستقلًا، مختلفًا عن نهج المغرب الذي يعتمد على تحالفات عسكرية ودعم من قوى خارجية كدول الخليج وإسرائيل، فضلًا عن تحالفه مع الولايات المتحدة كحليف رئيسي للناتو في البحر الأبيض المتوسط.
وتطرق السفير السابق إلى إرث الجزائر التاريخي الذي يمتد إلى أكثر من ألفي عام مع دولة نوميديا القديمة، موضحًا أن الحدود الجزائرية الحالية ليست مجرد تقسيمات استعمارية كما يُشاع أحيانًا، بل إنها تعود إلى إرث حضاري وتاريخي قديم مرتبط بالكيان السياسي لنوميديا.
وأضاف أن التمسك بهذا الإرث هو جزء لا يتجزأ من العقيدة الجزائرية التي تركز على استقلالية القرار والسيادة الإقليمية، حيث استطاع الأجداد حماية هذه الأرض في مواجهة قوى إمبراطورية في زمن ماسينيسا، ويُعتبر ذلك نهجًا مستمرًا في العقيدة السياسية والعسكرية للجزائر اليوم.
واختتم رحابي بالقول إن الجزائر تتخذ نهجًا متوازنًا ومعتدلًا في بناء قوتها الدفاعية، مع حرصها الشديد على حماية حدودها، ومنع تحوّل المنطقة إلى ساحة مواجهة بين القوى الأجنبية، وهو الأمر الذي يُشكل تحديًا رئيسيًا للجزائر التي تسعى للحفاظ على استقلاليتها، وتحقيق إجماع وطني حول قضايا الدفاع والسيادة الوطنية، مؤكدًا أن الجزائر ستظل متمسكة باستراتيجيتها السيادية في مواجهة أي تهديدات خارجية أو محاولات لإقحامها في صراعات إقليمية لا تخدم استقرارها.