نظّر العديد من الباحثين حول اقتصاديات دول العصر الوسيط،وفككوا منظوماتها السياسية وسجلوا العديد من الملاحظات ولعل من أهمها ارتكاز هذه الدول على مصدر دخل جاهز قائم على غنائم الغزو، أو ما سمي باقتصاد المغازي حيث تقوم الدولة بحروب بمختلف الأسباب سواء حروب دينية أم قبلية وتغنم مخلفات العدو، على أن مفهوم الغنيمة لا يقتصر على مخلفات العدو في أرض المعركة من ماشية وأموال وأسلحة وسبي فقط، بل يتعداها إلى أراضي العدو التي يسيطر عليها ويوزعها إما في شكل إقطاعيات وإما بفرض ضرائب على أصحابها،وهذه الأموال أو الغنائم يمكن القول أنها تدور في حلقة مفرغة تبعا لإقتصار الدولة على النموذج الأحادي، والذي ينبغي التذكير أنها تخصص للجيش اهتماما كبيرا باعتباره أداة لتنفيذ هذه السياسة.
لكن السؤال الذي يفترض أن نطرحه في هذا المقام،يكمن في سبب بقاء الدولة مكبلة في هذه الحلقة المفرغة أو بمعنى ٱخر لماذا لم تستغل الدولة هذه الغنائم في استثمارات تحقق لها أرباح مالية تنأى بها عن المخاطرة بجنودها ؟ في حروب أكثرها تكون بدوافع اقتصادية تنبع من حاجة السلطة للمال، أقول هذا لأن هذا النمط تقريبا لازال منتشرا في الزمن الراهن وإن كان بطريقة أخرى، فذهنية الاعتماد على الجاهز لازالت متجذرة في العقلية العربية والمسلمة، فبالأمس كانت غنائم حروب واليوم ثروات باطنية جاهزة، ووجه الشبه الثاني يكمن في عجز هذه الدول الخروج عن هذا النمط الريعي إذ لازالت ميزانية الدول العربية تعتمد إعتمادا شبه كلي على مبيعات النفط، في غياب محاولات جادة لدى هذه الدول لتقديم حلول وإتخاذ خطوات جريئة من شأنها القضاء على هذا المشكل، وبين الأمس واليوم نتساءل عن جذور هذه “الأزمة” إن صح تسميتها بذلك فهل المشكل يكمن في واجبات الدولة؟ أم أن المجتمع ينقصه التأطير؟ أم أن المجتمع يحتاج أن يبرز منه طاقات تأخذ بزمام التنمية الإقتصادية؟ أم أن الذهنية العربية تحتاج إلى إجتثاث لفكرة العيش على الجاهز.
بقلم محمد ناصري