إن التغيير في الجزائر يجب أن يمر عبر تشخيص الواقع لأنه شرط مهم، والعودة إلى الماضي لا تكون من أجل الركون فيه، بل لفهم الحاضر. إن الجزائر تعيش نتاج مرحلة سابقة تضخمت فيها الدولة الريعية وعشعشت فيها الشرعية الثورية، ومورست خلالها أخطاء تراكمت مع المستقبل حتى غدت ككتلة الثلج، ولكني مع كل ذلك لست بصدد انتقاد تلك المرحلة والتفرج على نتائجها، إنما ما يشغلني حقيقة هو عدم السماح للشعور بالإحباط، والعمل بما تيسر لنا من إمكانيات من أجل استدامة الأمل وخلق نظام نباهي به العالم. إن حساسية المرحلة التي تمر بها الجزائر تتطلب وضع أيدينا على مكامن الضعف ووجوه التقصير، وإعلاء صوتنا بالنقد وعدم الصمت، لأن الصمت في وجه من وجوهه قبول بما هو كائن. كما أننا أحوج ما نكون إلى تعزيز قصص النجاح والاحتفاء بها، ومساندة أصحاب المبادرات.
الحق أقول إن هناك تقصيراً في جوانب كثيرة وفي عدة قطاعات ( التربية، التعليم العالي، الصحة، الاقتصاد، الفلاحة، الشغل…إلخ ) ولكني لن أتأسف على هذه الحال، إنما علينا أن ننهض و نزيل عنا طحلب البيروقراطية وغبار الشخصنة والمنافع الشخصية. لا بد من مضاعفة العمل لأن مرحلة التراجع امتدت طويلاً فتراكمت أخطاء كثيرة، وهذه الأخطاء تتطلب من الجميع وقفة حازمة جادة لنتخطاها. ولكن برغم قتامة ما أقول إلا أن هناك مؤسسات أنجزت وما زالت تنجز، لأنها أخذت على عاتقها الإسهام في مشروع بناء الوطن وتعزيز نجاحاته، وأن هناك غيورين على مصلحة هذا الوطن علينا الوقوف معهم ودعمهم. لا تزال بأيدينا قوة نستطيع من خلالها تحويل التحديات إلى فرص، وعلينا الاهتمام بالإنسان وتكوينه بما يجعله قادراً على التنافس والإبداع والابتكار، ولكن قبل ذلك علينا أن نكرس مفهوم سيادة القانون، لكي يناضل المواطن الجزائري من أجل حقوقه، وفي الوقت ذاته يقوم بواجباته خير قيام .
على أبناء الجزائر أن يفكروا في مشاريعهم الإنتاجية منذ الآن ونحثهم على ذلك، ونشجع الإنتاج ونحارب بقوة الاستهلاك، لأننا نريدهم منتجين يقدرون قيمة الأشياء ومعانيها. إن ثقافة الاستهلاك والاستسهال هي آفة خطيرة تنخر المجتمع وتعمل على تفكيكه، ولذا علينا أن نحاربها بكل هوادة، لأن الجزائر لم تعد قادرة على أن تظل دولة ريعية . علينا أن نسعى بكل ما أوتينا من قوة على تغيير الواقع السائد ونتشارك أفكارنا و أحلامنا معاً، ونرسم مستقبل الجزائر وكأننا نراه بأعين قلوبنا. نعتمد على ذواتنا ونخلق من التحديات فرصاً للتحليق والإبداع . وسيظل الأمل قائم بأننا قادرون على تغيير هذا الواقع بهمة الجميع والعمل معاً من أجل واقع أفضل للجزائر، لأنه اللبنة الأولى في التغيير الذي نرنو إليه، ولأنه مسؤولية مشتركة فعلى الجميع أن يسهم في تطورها ونمائها بعيداً عن الفرجة والنقد البعيد عن الموضوعية. وأخيراً أقول إنه مهما بدا للبعض بأن الواقع أسود قاتم في الجزائر إلا أن فيه نقاطاً بيضاء ستتمدد وتكبر لتجعل الجزائر زاهية
. د. عليلي عبد السلام