خلفت تصريحات رئيس حركة مجتمع السلم السيد عبد الرزاق مقري ردود فعل جلها منددة بدعوته للمؤسسة العسكرية التدخل في الحياة السياسية و تحديدا المشاركة في ترتيب و اخراج بروفة الانتخابات الرئاسية القادمة،دعوة مقري للدبابة بالتدخل في الحياة السياسية قارنها الكثير من المتتبعين بتصريح شهير للمجاهد و السياسي الكبير المرحوم عبد الحميد مهري رحمة الله عليه الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني لما قال “الديموقراطية التي تحميها الدبابة هي ”ديمقراطية مريضة” فتدفق سيل من النقد و العتاب على الدكتور مقري انطلاقا من تصريح المرحوم مهري،فهل فعلا حدث صدام بين دبابة مقري و ديمقراطية مهري ؟ تصريح المرحوم عبد الحميد مهري جاء في سياق انفتاح سياسي عاشته الجزائر على مدار ثلاث سنوات كانت الديمقراطية سائدة تجلت مظاهرها في الانفتاح الإعلامي الكبير سواء على برامج التلفزيون الوطني أو بصدور العديد من الجرائد الخاصة ذات التوجهات المختلفة دون أن ننسى سقف حرية التعبير العالي التي سادت بين أفراد المجتمع ،هذا الجو التعددي الديمقراطي افرز انتخابات عبرت بصدق في سابقة أولى في تاريخ الجزائر عن إرادة الشعب قبل أن يقرصن مجموعة من الجنرالات في رمشة عين اختيار الجزائريين لفرض ديمقراطية موجهة بقوة الدبابة بحجة أن المواطن قاصر و لازال لا يعرف قواعد اللعبة الديمقراطية، و هنا جاء تصريح المرحوم مهري رحمه الله ان “الديموقراطية التي تحرصها الدبابة هي ديموقراطية مريضة”
إما تصريح السيد رئيس حركة مجتمع السلم السيد مقري فيأتي في خضم وضع سياسي مريض يؤسس لبدايته من تصريح الأمين العام للافالان- المذكور سلفا -الذي همشت ملاحظاته و رؤيته لواقع الجزائر المستقبلي و تم تحييده من الحياة السياسية عن طريق ما سماه مناوئيه “انقلاب علمي” لتزيد الأوضاع السياسية في الجزائر مرضا على مرض و تميع الحياة السياسية و يتم إفساد الأحزاب سواء بحلها أو اختراقها و إحداث انقسامات فيها لإضعافها مما أنتج ديمقراطية مشوهة خلقيا بإنشاء أحزاب طحلبية تتغذى من ضرع السلطةمقابل ادوار مرسومة للمشاركة في تمثيل مسرحية الديمقراطية،و أخلاقيا بتبوء بعض الشخصيات الغير تمثيلية لاختيار و توجهات الشعب مناصب المسؤولية في الدولة،و تم ذلك بالتزوير المحروس بالدبابة أو بالتعيين المباشر ، و بالتالي نحن نعيش إلى اليوم زمن الديمقراطية التي حذرنا منها مهري رحمه الله فالديمقراطية التي لا تؤدي إلى التغيير طيلة ربع قرن رغم الفساد و الإفساد هي ملكية مطلقة بتوابل ديمقراطية تفرض أحكامها و منطقها على الشعب بالترهيب و الترغيب للاستمرار في الحكم لمصالح شخصية و منافع ذاتية بعيدة عن المصلحة العليا للوطن،و من هنا اعتقد جاءت قناعة السيد مقري بضرورة تدخل الجيش في المساعدة على تصحيح الأوضاع تصريح مڨري لم يختلف كثيرا عن رأي السياسي المخضرم و العارف بخبايا النظام السيد مولود حمروش الذي قال ذات يوم:”لا تغيير دون تدخل الجيش” وهذه قناعتي أنا شخصيا لان طريقة الوصول إلى منصب الرئيس في الجزائر تمت بطريقتين لحد الآن و هما الانقلاب (الانقلاب في مرتين على الحكومة المؤقتة و على بن بلة) و كلى الانقلابين خاضهما بومدين،و الطريقة الثانية تعيين الرئيس من طرف مجلس الثورة الذي أسسه الراحل هواري بومدين بعد انقلابه على الرئيس الراحل بن بلة، حيث تم تعيين الشاذلي بن جديد كرئيس للجزائر و منذ ذلك الحين يتم تعيين رؤساء بلد المليون و نصف المليون شهيد من طرف المجلس الثوري الذي يتطور و يتأقلم مع الواقع السياسي للبلاد،حيث انتقل من شخصيات ذات شرعية ثورية بتاريخها النضالي و الجهادي إلى شخصيات ذات شرعية عسكرية تفرض منطقها و خياراتها التي ترتبط غالبا بمصالح شخصية و أحيانا بسوء تقدير على الشعب بقوة الدبابة، و من أمثلة ذلك على تعيين الرؤساء في الجزائر إن لم يكن كلهم حالة المرحوم الطيب الوطني السيد محمد بوضياف و السيد المجاهد علي كافي رحمه الله اللذان شغلا منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة، و السيد ليامين زروال نظيف اليد حفظه الله الذي تم تعيينه لمرحلة انتقالية إلى الرئيس الحالي السيد عبد العزيز بوتفليقة شفاه الله خاصة في عهدته الاولى،حيث تطرق لذلك الجنرال خالد نزار في كتابه كيف تم تعيين الرئيس سنة 1999 (اتصل بي الجنرال توفيق و انا في سويسرا…) بداية من العهدة الثانية تحولت صلاحيات مجلس الثورة إلى رجال المال و الأعمال تحت مسمى الدولة المدنية الذين أصبح لهم دور كبير في دعم و فرض بقاء الرئيس الحالي حتى العهدة الرابعة رغم مرضه شفاه الله و عدم قدرته على مخاطبة الشعب لمدة فاقت الست سنوات .
و لا زالوا يحذوهم أمل بغطاء سياسي من أحزاب الموالاة لتمرير العهدة الخامسة بعيدا عن المثاليات و بحثا عن حلول واقعية أتت مبادرة رئيس حركة مجتمع السلم بدعوة الجيش لمرافقة الطبقة السياسية في إعادة الأمور إلى نصابها بمناسبة رئاسيات 2019 التي اعتبرها انا فقط حقنة لعلاج ديمقراطية مريضة حذر منها المرحوم مهري، و دين على المؤسسة العسكرية وجب تسديده بإعادة السلطة لمصدرها بالعمل مع رئيس الجمهورية على إجراء انتخابات رئاسية نظيفة و ضمان نزاهتها مع الالتزام باحترام خيار الشعب ثم الانسحاب بشكل فوري من الحياة السياسية لفسح المجال أمام أولى خطوات تأسيس جمهورية ثانية قوامها الديمقراطية الحقيقية و القانون فوق الجميع
بقلم سمير بن عبد الله