52
شهاب برس- إذا ألقينا نظرة على التاريخ السياسي لتشاد، منذ حصولها على الاستقلال وحتى اللحظة، نلاحظ بأن البلاد لم تشهد استقرار سياسي فعلي طويل الأمد، ولم تشهد نهضة اقتصادية أو عمران، ولازال سكانها حتى اللحظة يعانون من الفقر، وتدني مستوى المعيشة بشكل مهول على الرغم من غنى البلاد بالموارد الطبيعية.
بطبيعة الحال، أسباب ذلك كثيرة، أبرزها عدم الاستقرار السياسي، وتبعية وارتهان قادة البلاد للخارج وبخاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
نظرة إلى الماضي
حكم الرئيس التشادي الأسبق ادريس ديبي البلاد قرابة 30 عام، بعد انقلاب عسكري على الرئيس الأسبق حسن حبري الذي تولى قيادة البلاد لمدة 8 أعوام أيضاً بعد انقلاب أوصله للحكم، وانتهى به المطاف للسجن، والمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
كان ادريس ديبي أحد أكثر الرؤساء الأفارقة بقاء في السلطة، ونجا من عدة محاولات انقلاب وتمرد.
وكان مدعوماً من الفرنسيين، وكان يُنظر إليه على أنه حليف للغرب، يمكن الاعتماد عليه، ولكن على طول الخط، كانت السلطة متهمة، بقمع كل معارضة لها. أنشأ ديبي نظاما رئاسيا خاصاً به، أي بدون رئيس وزراء أو نائب رئيس.
ليتفرد بالسلطة، كما أعد مشروع قانون يسمح له بالبقاء في الحكم 2030، ولكن القدر نطق كلمته، وقُتل ديبي، في ابريل-نيسان عام 2021 على يد متمردين ثاروا عليه انطلاقاً من الحدود الليبية التي شهدت توتر دائم.
وكان الجيش التشادي قد علق العمل بالدستور، بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي وحل البرلمان.
ثم قام الجيش بتعيين نجله، محمد إدريس ديبي، كرئيس مؤقت على رأس المجلس العسكري الانتقالي.
ووعد ديبي الابن (38 عاماً) بإجراء انتخابات في غضون 18 شهراً عندما تولى السلطة في أبريل 2021.
لكن إدارته العسكرية مددت الحكم “الانتقالي” لمدة 18 شهراً إضافية، وكانت مدعومة من فرنسا.
في تلك الفترة، كان زعيم المعارضة السابق، ورئيس الحكومة الانتقالية الحالية، سيوكس ماسرا يستعد ويجهز نفسه للعودة إلى البلاد وتأدية المهمة التي تم تكليفه بها من قبل واشنطن.
ديبي الابن يفي بوعوده في ديسمبر (2023)، تم إجراء استفتاء، وصوّت التشاديون على دستور جديد كنقطة انطلاق للانتخابات المقررة هذا العام، والتي تهدف إلى إصلاح الانقسام السياسي والمجتمعي في الدولة المنتجة للنفط والفقيرة والمجزأة.
بالنسبة للناخبين المسجلين البالغ عددهم 8 ملايين، مثّل الاستفتاء، العودة التي طال انتظارها إلى الحكم المدني، منذ الانقلاب العسكري في أبريل 2021 بعد مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي على يد المتمردين.
ومن شأن الدستور المقترح أن ينشئ بالفعل مجتمعات تتمتع بالحكم الذاتي مع جمعيات محلية ومجالس للمشايخ التقليدية من بين تغييرات أخرى.
صوت ملايين التشاديين لصالح الدستور الجديد المثير للجدل، على الرغم من مقاومة المعارضة، ومنتقدي الحكومة العسكرية للدستور الجديد، واتهامهم لها بإدامة بقائها في السلطة.
وبحسب اللجنة الوطنية المكلفة بتنظيم الاستفتاء الدستوري (كونوريك)، فإن 86% من الناخبين اختاروا “نعم”.
ويعتبر هذا الاستفتاء الجزء الثاني، من عملية من ثلاث خطوات لإعادة الدولة إلى الحكم الديمقراطي، ويعمل الدستور الجديد، مثل الدستور الذي حل محله، على ترسيخ النظام الوحدوي القائم منذ الاستقلال في عام 1960.
وقبل الاستفتاء، كانت أحزاب المعارضة، قد دعت إلى مقاطعة كاملة للعملية، وكانت نقطة اعتراضها الرئيسية، هي الحملة من أجل نظام فيدرالي بدلاً من النظام الوحدوي، لنقل السلطات من المركز.
بينما الزعيم السابق للمعارضة سيوكسيس ماسرا الذي عاد مؤخراً من المنفى، كان قد دعا مؤيديه للتصويت لصالح الدستور على عكس باقي الحركات المعارضة في البلاد، ما أثار كثير من التساؤلات والشبهات حول الموضوع.
الحكومة الانتقالية، واستجابتاً منها لمطالب المعارضة قدمت، بعض التنازلات من خلال إدراج إنشاء حكومات محلية ومجالس تشريعية محلية في المسودة الجديدة، مع السماح للناس بالتصويت لممثليهم، لكن المعارضة قالت إن هذا ليس كافيا.
عودة مشبوهة ببصمات أمريكية
عاد زعيم المعارضة السابق سيوكسيس ماسرا، من المنفى في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد توقيع اتفاق مصالحة مع حكام تشاد العسكريين، بعاصمة الكونغو الديمقراطية، يضمن له القدرة على المشاركة في الأنشطة السياسية.
وعينت الحكومة الانتقالية في تشاد، بداية العام الجاري، ماسرا، رئيسا للوزراء، بعد عودته مؤخرا من المنفى. وكان ماسرا قد فر من تشاد، في أكتوبر ،2022 بعد حصول أعمال شغب وعنف في البلاد، إثر احتجاجات ضد تمديد فترة الحكم الانتقالي للعسكريين، والتي أيضاً تخللها هجمات ضد القوات الفرنسية في البلاد.
أثارت عودته، وتشجيعه للاستفتاء الكثير من التساؤلات، وخاصة، لأنه عارض بشدة الحكام العسكريين الذين وصلوا إلى السلطة في أبريل 2021 بعد مقتل إدريس ديبي إتنو.
كما، تزامنت عودة ماسرا، مع ضعف النفوذ الفرنسي في البلاد، بشكل ملحوظ، مقابل تنامي الاهتمام الأمريكي بأن يحل محله، ويجد موطئ قدم في المنطقة.
في سياق متصل، كشفت تقارير إعلامية ومراقبين، بأنه في أوائل شباط/فبراير الجاري عُقد اجتماع بين قادة الجماعات المتمردة التشادية CCMSR وFACT، في قاعدة “تمنهنت” العسكرية، في ليبيا، وتم تنظيم هذا الاجتماع من قبل رجال ماسرا سراً.
ووفقاً للمصادر، فإن واشنطن، تخطط لتزويد هذه الجماعات المتمردة بالأسلحة للإطاحة بالرئيس الحالي محمد ادريس ديبي، كما أطاحت بوالده سابقاً وإضعاف الإسلام في البلاد.
وعراب هذا المخطط، وقائده، سوف يكون ماسرا، السياسي الواعد، الموجود على أراضي تشاد ويتمتع بثقل سياسي.
كما أنه سيعمل كوسيط بين أجهزة المخابرات الأمريكية وقادة مجموعتي FACT وCCMSR المتمردين.
كما أضافت المصادر، بأنه من خلال ماسرا، سوف تقوم الولايات المتحدة بالخطوة الأولى لتنفيذ مخطط الانقلاب، وهي إيصال الإمدادات العسكرية، والأسلحة للجماعات المتمردة تمهيداً لتنظيم انقلاب عسكري.
وفقاً لبعض المحللين ما يدعم هذا المعلومات، هو أن سيوكسيس ماسرا، لم يخف أبدًا علاقته الوثيقة مع سفارة الولايات المتحدة وممثلي مجتمع الخبراء الأمريكيين المسؤولين عن الشؤون الأفريقية.
كما أن ماسرا، أقام في الولايات المتحدة الأمريكية فترة من الزمن، ودرس خلالها، تقنيات الإطاحة بالحكومات، وكيف يمكن لمجموعات سكانية صغيرة، إسقاط الأنظمة من خلال “الثورات الملونة”.
الأطماع الأمريكية في البلاد
وفقاً للمحللين والخبراء، فإن الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها، تعتبر دولة تشاد منصة هامة جداً، لتنفيذ سياساتها في بعض الدول المجاورة، في المقام الأول السودان وليبيا.
حيث، تحتل تشاد موقعاً استراتيجياً وجيوسياسياً هاماً، فلها حدود مع العديد من البلدان: النيجر ونيجيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى والكاميرون وليبيا.
وهذه نقطة دخول مثالية، أولاً وقبل كل شيء، لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية وثانياً، لنشر النفوذ في المنطقة.
عدا عن ذلك، تشاد تعد دولة غنية بالنفط والموارد الطبيعية، مثل: الذهب، واليورانيوم، والحجر، الجيري، والرمل والحصى، والكاولين، والملح وغيرها، حيث يؤمن النفط الذي تنتجه تشاد منذ عام 2003 ما يقارب 40% من الناتج الداخلي وأكثر من 60% من عائدات الدولة، وبحسب مصادر محلية، بدأت الولايات المتحدة بالفعل تصدير النفط من تشاد، منذ العام الماضي.
وقد وجدت، واشنطن ضالتها في ماسرا، الذي عاد بوجه ديمقراطي شاب، يخفي ورائه كل أطماع واشنطن في البلاد، مستغلاً أمل الشعب التشادي بالحرية والديمقراطية.