شهاب براس _إنبثق الشعر مساءً من رحم الصخر، وتفتحت القصائد كزهور برية في شرفات قسنطينة، حين دقت ساعة الاحتفاء بالأنوثة والحرف، في انطلاق الطبعة الرابعة عشرة من المهرجان الوطني الثقافي للشعر النسوي، بالتزامن مع افتتاح شهر التراث الوطني… لحظة اجتمعت فيها الكلمة والهوية في عناق أزلي على ضفاف التاريخ.
احتشدت الأرواح قبل الأجساد، مساء 17 أفريل 2025، في دار الثقافة مالك حداد، حيث أُعطيت إشارة الانطلاق بحضور الأمين العام لولاية قسنطينة، السيد عمري محرز ممثلاً للسيد الوالي، وبمعية ممثلة وزير الثقافة، السيدة وسيلة بوحلاسة، وسط حضور ثقافي ورسمي وإعلامي وازن، جاءوا جميعاً يشهدون ميلاد قصائد ترتدي وشاح الوطن وتتزين بعطر الجزائر.
تنفس الحرفُ أنوثته، وهبّت القصائد من ربوع الوطن، تجوب فضاءات قسنطينة التي لبست ثوب الشعر، في مهرجان جاء تحت شعار “ألا هُبّي بشعرك”… فهبّت الشاعرات، أربعون امرأة من مختلف جهات الجزائر، وقلوبهن تنبض بما لم يُقل، وأقلامهن تسافر في أروقة الضوء، لترسم وجهاً شعرياً للأنثى الجزائرية التي لم تتخلّ يوماً عن الكلمة.
وامتزج الإبداع بالتكنولوجيا، حين أُطلق البرنامج الولائي للمسح ثلاثي الأبعاد والزيارات الافتراضية للمواقع الأثرية والسياحية، من تيديس إلى جسور قسنطينة، ومن ضريح ماسينيسا إلى المساجد القديمة، في شراكة مبتكرة بين دار الثقافة ومركز البحث في تهيئة الإقليم، ليصبح التراث مشهداً حياً ينبض من خلال الشاشات.
وتزينت الفعالية بمعارض ناطقة بالذكاء والتجديد: التكنولوجيا في خدمة التراث، برمجيات تهيئة السياحة الثقافية، أجنحة مزينة بإبداع شباب دار الذكاء الاصطناعي وكلية علوم الأرض، التي بدورها وقعت اتفاقية تعاون مع دار الثقافة لتثمين كنوز قسنطينة المادية واللامادية، في وثبة علمية-ثقافية تُحسب للمدينة العريقة.
صفق الجمهور طويلاً، لا للموسيقى بل للقصائد، حين وقفت محافظة المهرجان، الشاعرة أميرة دليو، لتفتتح بكلمةٍ تشبه نشيداً، تحدثت فيها عن قسنطينة التي صارت “بيتاً للقصيدة”، ومقاماً للمرأة الشاعرة التي جاءت محمّلة بأحلام الوطن، وروح الأنثى التي تكتب لتُروى وتروّي.
وأعلنت ممثلة السيد وزير الثقافة الافتتاح الرسمي، ليتحول المشهد إلى ما يشبه الأسطورة، حين عُرضت القصيدة المسرحية “حيزية.. قصيدة من لهب”، قبل أن تُلقى القصيدة الافتتاحية وتُختتم الليلة بتكريم الشاعرات، لا لأنهن كتبن شعراً فقط، بل لأنهن كتبن ذاكرة جديدة من المجد الأدبي.
امنحوا الشعر فرصة، وستمنحكم قسنطينة قلبها، ففي هذا المهرجان، صعدت الأنثى إلى المنصة لا لتحكي فقط، بل لتعيد تشكيل المشهد الثقافي بجرأة الكلمة وصدق الإحساس.
من 17 إلى 21 أفريل، ستبقى المدينة تتنفس قصائد، وتزرع أبياتاً في زواياها… فهنا، الشعر لا يُقرأ فقط، بل يُعاش.
بقلم رفيدةعبيدالشارف