تعودت على عدم إهتمامي بالسياسة الفرنسية ولا بسياسيها لسبب بسيط أن سياستها على الدوام ترتكز على المهاجرين و هو فعل سيء لكون موضوع المهاجرين يتكرر في كل المواعيد الإنتخابية لينتهي بعدم الفصل فيه… عمدا ليتم تناوله في المواعد القادمة ….حيث صار المهاجرون بمثابة كرة تتقاذفها أرجل اليمين و اليسار الفرنسيين ؟
لكن في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة و التي أفرزت فوز الرئيس ( ماكرون ) كان لها مذاقا خاصا بالنسبة لي تحديدا …فعند الإعلان عن ترشحه من الجزائر صرح بأنه يتناول ملف الإعتذار بجدية و المتعلق بجرائم بلاده أيام أحتلال للجزائر …و أن الجزائر قاعدة إرتكاز لفرنسا و أن بلاده ستغير سياستها في تعاملها مع الجزائر …الخ
و مثل هذا الكلام في تقديري يحتاج الى فعل و في أول زيارة له للجزائر بعد فوزه أرسل عدة رسائل و تحتاج الى تشفير و هذه بعض الملامح لهذه الزيارة : لقاؤه بجمهور العاصمة و حسب تفسيري يعد مثل هذا الفعل مؤشر للتمهيد على الإقدام على خطوات مستقبلية تصب في تقديم الإعتذار للشعب الجزائري ثم وقوفه أما م تمثال الأمير عبد القادر و رفع رأسه إتجاهه مطولا و كـأنه يريد القول له عذرا أيها الأمير فقد ظلمناك و غدرنا بك و حاولنا تشويه تاريخك المجيد و نقضنا العهد ففي الإتفاق كان من المفترض تسافر الى ( الإسكندرية ) أو الى ( عكا ) ؟ لكن حكومة الإحتلال أسرتك و حولتك الى فرنسا لتقيم تحت الإقامة الجبرية ؟ …
أما تهمة الإستسلام للأمير عبد القادر فهي من الأساس تهمة ملفقة الغاية منها كسر كبرياء الجزائريين الذي خلد عبر الدهر و لتحطيم معنوياتهم حتى لا ينهض من جديد …و تبعا للندوات التي حضرتها في أروبا من باريس الى بلجيكا الى سويسرا و سمعته من النخب الأروبية أنفسها لم أسمع منهم لفظ إستسلام بل أسر ؟ إلا في الجزائر ومن بعض المثقفين و اليكم الرواية الحقيقية للأمير :
إن الأمير عبد القادر جاهد الى آخر لحظة و حينما إنقلبت عليه الكثير من القبائل و ضعفت قوته و أنهك ماديا فلم يجد أي باب يطرقه إلا باب المخزن المغربي لطلب الدعم و ما يؤسف له أن المخزن و بأمر من المحتل أغلق الباب في وجهه و الحقيقة التي لا مراء فيها لا يوجد أي تأكييد يفيد بأن الأمير تفاوض مع جنرالات المحتل و لا مع الحاكم العام بل كل ما جرى أن الأمير كان أمام أزمة ثقيلة تتلخص في 4000يتيم و مئات الأرامل و مئات الجرحى من جنوده و إنقاذا لهم قبل بوقف القتال و خروجه من الجزائر و في النهاية تم أسره….
و بمواجهة ساحة التمثال هناك شارع الشهيد ( العربي بن مهيدي ) و الرسالة نفسها كانت تنطوي على الإعتذار للبطل الذي صدرت عنه شائعات من المحتل مفادها أنه إنتحر في حين الشهيد لفظ أنفاسه تحت التعذيب و الصحيح أن الأبطال الجزائريين لا ينتحرون بل يناضلون و يجاهدون الى آخر نفس …
لتختتم الزيارة بقراءة موقف فرنسا الذي تصادف مع قرار ( ترامب ) المتضمن نقل السفارة الأمريكية الى القدس أنذاك و في العرف الدبلوماسي الفرنسي الموقف عادة ما يتخذ و يقرأ من ( الإليزي ) و في حالة الضرورة … يقرأ من السفارة التي تنتمي لفرنسا متى كان الرئيس في سفر …لكن الرئيس ( ماكرون ) قرأه من فندق ( الأوراسي ) و إسم ( الأوراسي ) له رمزيته عند الجزائريين إنه المكان الذي أطلقت فيه أول رصاصة ؟ في أول نوفمبر1954م من جبال ( الأوراس ) الأشم .. نعم إنه المكان الذي كان يعتبره المحتل بمثابةعش ( الفلاقة أو الإرهابيين ) …و يا لها من رسالة قوية الى كل المجاهدين و الشهداء و التي تعد لهم بمثابة إعتراف من عدو الأمس بأنهم كانوا أبطالا و ليسوا ( بالفلاقة ) وقد أثبت التاريخ بأنهم كانوا على جق و بإعتراف حكومة فرنسا الحالية ومن شاب من المستقبل في إنتظار فرنسا القادمة من المستقبل حسب رؤيته …
و يتطور الموقف من الرئيس الشاب ( ماكرون ) الى الإعتراف الكتابي للشهيد ( موريس أودان ) بأنه لم يكن ( فلاقي أو إرهابي ) بل كان مناضلا و مجاهدا في صفوف المجاهدين الجزائريين لقد ضحى بحياته من أجل إزالة فكرة الإحتلال من عقلية السياسيين و العسكريين الفرنسيين في أنتظار خطوات جريئة أخرى …