في حوار مع محمد هناد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر
تطرقنا إلى الواقع السياسي الذي تعيشه الجزائر وتحدياته…. كما حاولنا معرفة رؤيته حول الصراع السياسي و مسؤولية المعارضة ودورها في الخروج من الازمة.
مرحبا بكم في موقعكم الإخباري شهاب برس
سؤال مباشر نفتتح به اللقاء معكم أستاذ هناد،
ش ب:كيف تفسر حالة اللاثقة بين الحاكم والمحكوم في الجزائر ؟
شكرا على الاستضافة.
قبل الإجابة عن سؤالكم، أود أن أشير إلى أنه، في نظري، غير صحيح استعمال العبارة “الحاكم والمحكوم” لأنها لا تشير إلى الطريقة التي وصل بها الحاكم إلى الحكم، كما أنها توحي وكأن هذا الحاكم سيظل حاكما والمحكوم محكوما إلى الأبد. لذلك، أفضل عبارة “نظام الحكم والمواطنين”.
أما في ما يخص انعدام الثقة بين “الحاكم والمحكوم” في الجزائر، فلعل سببه أبسط مما قد نتصور. كما هو معروف، الثقة مرتبطة بالصدق، فإذا غاب غابت. كما هو معروف، قد تنطلي الكذبة على بعض الناس كل الوقت، وعلى كل الناس بعض الوقت، لكن أبدا على كل الناس كل الوقت ! ثم إن القصور الأخلاقي والمهني الذي طبع القائمين على شؤوننا منذ الاستقلال أفضى، هو الآخر، إلى غياب هذه الثقة. الثقة إذا غابت يصعب استعادتها، ولا يكون ذلك إلا بعد سنين طويلة وبتأييد من التجربة. هناك عنصر آخر لابد من إضافته وهو أن القائمين على شؤوننا لا يظهرون مهتمين بمسألة ثقة المواطنين فيهم. بالنسبة إليهم، يكفي أن نوفر لهؤلاء بعض الحاجات ونكثر من تمجيد مآثر ثورة التحرير والانتماء الحضاري.
ش ب :هل ظاهرة العزوف السياسي ظاهرة عالمية أم عربية بالخصوص وما هي أسبابها ؟
عادة، أتفادى “الطرح العربي” لأنني لا أرى فيه فائدة. في رأيي، الطرح يبغي أن يكون على مستوى كل بلد، مع العمل على الاستفادة المتبادلة. ثم إنني أعتقد أن في كل تعميم ظلما وخطأ. الأمم، مثل الأفراد، كل ومساره وظروفه. لكن يبدو لي غير صحيح القول إن المجتمعات العربية لم تعد تهتم بالسياسة. يبدو لي العكس هو الصحيح. المشكل أنها لم تهتد بعد إلى سبل التغيير وتظل تتراوح بين العنف والاستكانة. ومن ناحية أخرى، فإن العزوف يمكن ملاحظته حتى في البلدان المتقدمة حيث صار الناس أقل اهتماما بالشأن السياسي، لكن من ناحية مستوى المشاركة في الانتخابات خاصة. سبب هذا العزوف ليس معناه عدم الانشغال بالسياسة لأن هذه الأنظمة الاجتماعية السياسية استطاعت، مع الزمن، أن تطور آليات متخصصة فعالة في ما يتعلق بالفعل السياسي على أساس ما يسمى بالمراقبة وتوازن القوى، وهو ما يسمى في الأدبيات الأنڤلوسكسونية بـ « checks and balances »، أي القوى والقوى المضادة المؤسسة. لعله ممن الخطأ أن نتوقع وجوب اهتمام الناس كلهم بالسياسة. لكن شريطة توفر حرية الرأي، مجتمع مدني نشط، رأي عام معبِّر، توفر المعلومة، إضاف، طبعا وبصورة خاصة، إلى وجود ووسائل إعلام قوية ذات قدرات تحقيقية متميزة.
ش ب : في رأيكم هل تعتقدون أن النظام السياسي الجزائري تخلص من ظاهرة العسكرتارية خاصة مع تحييد بوتفليقة لمؤسسة الجيش أم لا ! وما قولكم لمن يقول أن بوتفليقة ساهم إلى حد بعيد في إضعاف تدخل العسكر في الحياة السياسية !
النظام السياسي الجزائري لم يتخلص بعد من الطابع العسكري ولا هو قادر على ذلك في الظروف الراهنة. كثير ما يبدو لي أن الأنظمة الاجتماعية السياسية ستجد أمامها نفس الصعوبات التي عرفتها في التخلص من سلطة رجال الدين. تجدني لا أتردد في القول إنها فصل من نوع آخر لا يقل أهمية بين ما هو سياسي وما هو خارج عن نطاق السياسة. في اعتقادي، الرئيس بوتفليقة لم يسعَ إلى تمدين الحكم بقدر ما سعى إلى تحصين وضعه. يبدو أنه اكتفى بإهانة القيادة العسكرية أمام الناس في أمور شكلية، كتركهم في حالة استعداد وهو يخطب عليهم. على أية حال، لا الرئيس بوتفلية، من قبل، ولا غيره، بعده، قادر أن يسهم في الحد من تدخل العسكر في السياسة إلا عن طريق إقامة نظام حكم يحظى بالمشروعية وحسن الأداء. ذلك يعني أن السلطات العمومية يتم اختيارها على أساس الكفاءة والانتخاب الحر لا غير، كما يجب أن تبقى هذه السلطات دائما محل مساءلة، فردية وجماعية.
ش ب : كيف تفسرون الصراع السياسي بين الموالاة والمعارضة ! ولماذا المعارضة منقسمة فيما بينهما ! وهل يمكن إدراج الشخصيات والأحزاب المحظورة ضمن المعارضة أم يمكننا فصلها !
حقيقة، لا أرى صراعا كبيرا بين ما يسمى بالمولاة والمعارضة. سبب ذلك التشويش الكبير الذي وقع في الحياة السياسية الوطنية خلال العشيرتين الأخيرتين. أما في ما يخص انقسام المعارضة، شخصيا اعتبره أمرا طبيعيا بالنظر إلى حداثة التجربة ذلك أن ظهور أي تعددية حزبية يفرض المرور بفترة صبيانية سياسية يجب أن لا تطول. لكن ليس ذلك فقط : هل الأحزاب التي ما فتئت تدعو عندنا إلى إقامة نظام ديمقراطي هي ذاتها ملتزمة قيم هذا النظام داخلها ؟ كيف يتم اختيار قياداتها ؟ وهل هي متشبعة بفكرة أن الأصل في كل نظام سياسي هو الصراع والتفاوض من أجل التوصل إلى حلول وسطية وليس أن يعتبر كل حزب أن الحل بيده دون سواه ؟ لقد حان الوقت، بعد كل هذه المعانة من إرهاب وفساد أن لا تنتظر المعارضة ما يمكن أن يجود به نظام الحكم الحالي فتجتمع من أجل البحث عن حل للخروج من الأزمة الحالية. تجدر الإشارة إلى أن هذه الأزمة ليست سياسية فقط بل اقتصادية خاصة. البلاد في خطر حقيقي.
أما في ما يخص إدراج الشخصيات والأحزاب المحظورة ضمن المعارضة، طبعا ! اعتبر أن حظر شخص أو حزب من النشاط السياسي ليس بالأمر السهل ويجب أن نبحث في كل جوانبه، ليس من باب العدل فقط بل أيضا من باب تجنب المشكلات للبلد.
ش ب :شكراً لكم استاذ ونلتقي في فرصه أخرى بإذن الله
حاوره :فاتح بن حمو